تجميد أنسجة المبيض: هل يُمكن استخدام هذه التقنية لتأخير سن الأمل؟

تُعتبر تقنية تجميد أنسجة المبيض التي تُعرف أيضاً باسم “حفظ أنسجة المبيض بالتبريد (OTC)” طريقة تجريبية للحفاظ على الخصوبة. وتلجأ إليها عادةً النساء المُصابات بمرض السرطان اللواتي يُواجهن خطر الإصابة بالعقم بعد انتهاء العلاج.

كيف يتم إجراء عمليّة الحفظ بالتبريد؟

يتم استئصال المبيض بالكامل أو جزء منه بواسطة تنظير البطن. وفي حال تمَّ استئصال المبيض بالكامل، يُمكن أن يتم حفظه بالكامل، وإلّا، يتم تقطيعه إلى شرائح رقيقة للغاية، تتراوح بين 0.3 و2 مم، ومن ثمَّ يتم تجميدها وتخزينها لاستخدامها فيما بعد. ويتم إذابة الأنسجة وإعادة زرعها إمّا في منطقة الحوض (زرع مثلي) أو في مكان آخر من الجسم (زرع غير مكاني).  

جزء من المبيض أو كامل المبيض؟

ليس من الضروري استئصال المبيض بالكامل في جميع الحالات، إلّا أنّه ثمّة احتمال أن يلجأ طبيبكِ إلى هذا الخيار في حال توقّع حدوث فشل كامل المبيض. عادةً, يتم أخذ الطبقة الخارجية فقط، التي تُعرف بقشرة المبيض. ونجد عدداً كبيراً من البُويضات غير الناضجة (خلايا بيضية) في الجُريبات البدائية الموجودة في هذا الجزء من المبيض (قشرة المبيض). وهذا يعني أنّه يُمكننا أن نحصل على مئات الخلايا البيضية لعلاجات الخصوبة المُستقبلية عن طريق أخذ كمية صغيرة من الأنسجة. ومن إيجابيات استئصال كامل المبيض هو انخفاض خطر الإصابة بنقص تروية الأنسجة (حيث ينخفض مخزون الدمّ، ما يُؤدّي بالتالي إلى انخفاض مخزون الأكسجين الذي يتم نقله إلى الأنسجة)، إذ يُمكن الحفاظ على تدفّق الدمّ أو استعادته بشكلٍ سريع (إعادة تكوين الأوعية الدموية) عن طريق استخدام عنيق الأوعية الدموية. وبعد إجراء عملية إعادة الزرع، يسمح عنيق الأوعية الدموية بوصول كمية كافية من الأكسجين إلى الأنسجة، ما يُخفّض بالتالي من احتمال فشل الزرع. ولكن، تُواجه تقنية الحفظ بالتبريد بعض الصعوبات، ففي حال حدوث أي خطأ، قد لا يعود المبيض بالكامل قادراً على العمل بشكلٍ صحيح.  

التجميد البطيء أو التزجيج (التحول إلى زجاج)؟

ما زال العمل مُستمرّاً لإيجاد أفضل طريقة لتجميد أنسجة المبيض المُستئصلة. وتُعتبر الطريقة الأكثر استخداماً حول العالم هي التجميد البطيء للأنسجة ضمن عملية تدريجية حتّى بلوغها 140 درجة مئوية، حيث يتم، في هذه المرحلة، تخزينها في النيتروجين السائل. ويُخفّض التجميد البطيء من خطر تكوّن بلورات ثلجية قد تضر خلايا المبيض. أمّا بالنسبة للتزجيج، فهو تقنية حديثة تعتمد على التبريد السريع جداً بإستخدام تركيز عالي من واقيات البرودة. وهو أيضاً عمليّة سريعة وسهلة نسبياً، ولا تستوجب معدّات باهظة الثمن. ولكن حتّى اليوم، ما زالت تُستخدم هذه التقنية على نطاق ضيق جداً ولا تتوفّر الكثير من البيانات حول فعاليتها.

زرع مثلي مُقابل زرع غير مكاني

يستند تحديد الموقع الأفضل لزرع أنسجة المبيض التي تمَّ حفظها بالتبريد بشكلٍ كبير على سبب إجراء عمليّة الحفظ بالتبريد. ففي حال كنتِ ترغبين في الحمل بشكلٍ طبيعي، يكون خياركِ الوحيد هو إجراء زرع مثلي. ويتم خلال هذه العملية إعادة زرع أنسجة المبيض التي تمَّ حفظها بالتبريد في منطقة الحوض. ويتم زرع شرائح من الأنسجة إمّا في مُقدّمة المبيض المُتبقّي، أو في الغشاء البريتوني للحوض. كما أنَّ التواجد على مقربة من قنوات فالوب يسمح بحدوث الحمل بشكلٍ طبيعي. كذلك، يُخفّض حجم موقع الزرع من عدد الأجزاء التي يُمكن زرعها. وتستعيد المرأة عادةً دورة الحيض بعد 4 إلى 9 أشهرٍ من عمليّة الحفظ بالتبريد، ما يتلاءم بشكلٍ وثيق مع الفترة التي يستغرقها النمو الطبيعي للجُريبات ونضوج الخلية البيضية. ويُشير ذلك إلى بدء نمو البُويضات بشكلٍ طبيعي بعد الحفظ بالتبريد وإعادة الزرع. وتعيش أنسجة المبيض التي تمَّ زرعها لفترات زمنية مُختلفة، وأطول فترة زمنية تمَّ تسجيلها حتّى اليوم هي 7 سنوات.

خلال عملية الزرع غير المكاني، يتم إعادة زرع أنسجة المبيض في مكان آخر من الجسم. ويتم عادةً استخدام الساعدَين، وجدار البطن والصدر. وفي حال نجحت عمليّة الزرع، من المُفترض أن تبدأ أنسجة المبيض التي تمَّ زرعها بإنتاج الهرمونات مُجدداً، ما يُخفّف بالتالي من أعراض سن الأمل غير المرغوب فيها. ولكن، لا يُمكن حدوث الحمل إلّا من خلال اللجوء إلى عمليات استرجاع البُويضات وتقنيات التلقيح المُساعد (ARTs). ومن إيجابيات عمليّة الزرع هو أنّه يُمكن زرع النسيج في مكان يسهل الوصول إليه بشكلٍ يسمح بمُراقبة نمو الجُريبات واسترجاعها لاستخدامها، إذا لزم الأمر، في عملية تجميد الأجنّة بالتلقيح في المُختبر (IVF) وللتمكّن أيضاً من فحص الأنسجة المزروعة للكشف عن علامات ظهور مرض السرطان مرّة جديدة. وبالإضافة إلى عدم إمكانيّة حدوث الحمل بشكلٍ طبيعي بعد هذا النوع من الزرع، تكون إحدى النقاط السلبية الرئيسية الأخرى هي احتمال عدم قدرة الأنسجة المزروعة على البقاء على قيد الحياة بسبب صعوبة إعادة تكوين إمدادات الدمّ.

فوائد تقنية الحفظ بالتبريد

تُساعد تقنية الحفظ بالتبريد النساء المُصابات بفشل المبيض المُبكر، أو المُفاجئ، أو غير المُتوقّع في الحفاظ على الخصوبة لديهنّ. وعلى عكس تجميد الأجنّة أو البُويضات، حيث تتوصّل عملية الحصاد المُعقّدة إلى “مُعدّل طبيعي” يحتوي على 8 إلى 15 بُويضة لكلّ عمليّة؛ تُؤدّي إزالة قشرة المبيض إلى الحصول على مئات وحتّى آلاف الخلايا البيضية غير الناضجة. كما أنّها عمليّة أسهل، إذ ليس من الضروري انتظار وقت مُعيّن أثناء دورة الحيض وبالتالي يُمكن إجراؤها خلال مهلة زمنية قصيرة. ومن الفوائد الأخرى أنّه لا تُضطر المرأة إلى تأجيل أي نوع من أنواع علاجات السرطان بسبب هذه العمليّة.

ويُعتبر الحفظ بالتبريد الخيار الوحيد للحفاظ على الخصوبة المُتوفّر للفتيات اللواتي لم يدخلن بعد مرحلة البلوغ، وذلك لعدم وجود بُويضات ناضجة بعد يمكن الحصول عليها مُباشرةً.

سلبيات تقنية الحفظ بالتبريد

على الرغم من إمكانياته الكبيرة، يبقى الحفظ بالتبريد تقنية تجريبية. ولم تعترف به بعد الجمعية الأمريكية للطبّ التناسلي على أنّه تقنية من تقنيات الحفاظ على الخصوبة. ومن المُتوقّع  أن تُصبح هذه التقنية مُعتمدة على نطاق أوسع في المجال الطبّي عند التوصّل إلى بيانات أكثر دقّة.

وثمّة احتمال أن يُؤدّي زرع هذه الأنسجة إلى عودة ظهور أمراض خبيثة غير مرغوب فيها. ويرتفع هذا الخطر لدى النساء المُصابات بسرطانات الدمّ، مثل اللوكيميا. 

استخدام  تقنية الحفظ بالتبريد عند مرضى السرطان

 نظراً لطبيعتها، تُسبّب العديد من علاجات مرض السرطان تسمّم الخلايا الجنسية. ويُؤدّي عادةً العلاج الكيميائي والإشعاعي دوراً ممتازاً في قتل الخلايا الخبيثة، إلّا أنّه قد يحمل أيضاً أثراً كارثياً على خلايا الجسم الأخرى. كذلك، فإنَّ معرفة أنّكِ مُصابة بمرض السرطان فضلاً عن احتمال إصابتكِ بالعقم نتيجة العلاج قد يُسبّبان لكِ مُشكلة نفسية يصعب تخطّيها. وتُشير المبادئ التوجيهية للمعهد الوطني للصحّة وجودة الرعاية (المملكة المُتحدّة) إلى ضرورة أن يكون الحفاظ على الخصوبة جزءاً من علاج جميع مرضى السرطان. وقد تحمل تقنية الحفظ بالتبريد فائدة كبيرة للنساء اللواتي يُعانين من عقم ناتج عن السرطان. ولكن قد لا تقتصر المسألة على علاج العقم فحسب. ويُؤدّي فشل المبيض والهبوط المُفاجئ في إنتاج الأستروجين والبروجسترون إلى دخول الجسم في مرحلة سن الأمل. وهذا يُمكن أن يُسبّب بدوره مجموعة من الأعراض التي قد يصعب تدبيرها على الصعيدين الجسدي والعاطفي، مثل الهبّات الساخنة، وصعوبة النوم، وجفاف المهبل، وتراجع الرغبة الجنسية. ويُؤدّي الحفظ بالتبريد بالإضافة إلى الزرع المثلي إلى استعادة وظيفة المبيض الطبيعية في حوالي 95% من الحالات. ما يُساعد بدوره على التخفيف من أعراض سن الأمل الشديدة، من دون الحاجة إلى الاعتماد على العلاج بالهرمونات التعويضية (HRT).

استخدامات بديلة

يرتبط الحفظ بالتبريد بشكلٍ وثيق باستعادة الخصوبة لدى النساء اللواتي بحاجة إلى تلقّي علاج ضروري لأي نوع من أنواع السرطان التي قد تُؤثّر على المبيض. ولكن، تلجأ إليه أيضاً النساء المُصابات بأمراض حميدة، مثل مرض بطانة الرحم الهاجرة المُتكرر، والتواء المبيض المُتقدّم. كما يُمكن أن يُستخدم بمثابة إجراء وقائي عند النساء اللواتي يُعانين من تاريخ من قصور المبيض الأولي أو أمراض المناعة الذاتية.

كذلك، يُمكن استخدام تقنية الحفظ بالتبريد كوسيلة لتأجيل سن الأمل. ومع ارتفاع مُتوسّط العمر المُتوقّع، تُشير التقديرات إلى أنَّ عدداً كبيراً من النساء سوف يقضين نسبة كبيرة من حياتهنّ في فترة ما بعد سن الأمل. ويرتبط ذلك بعددٍ مُعيّن من المخاطر التي قد تُهدد صحّتهنّ ونوعيّة حياتهنّ. وتكون النساء في فترة ما بعد سن الأمل أكثر عُرضة للإصابة بهشاشة العظام، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والاكتئاب؛ ولا يكون العلاج بالهرمونات التعويضية (HRT) مُلائماً لجميع النساء. ومن الطرق المُعتمدة لتأخير بداية سن الأمل، نجد تقنية الحفظ بالتبريد لعدد كبير من جُريبات المبيض بطريقة آمنة ومن ثمَّ إعادة زرعها في جسم المرأة لكي تبدأ بإنتاج الهرمونات الجنسية الأنثوية. ولكن، على الرغم من أنَّ هذه الطريقة تبدو منطقية من الناحية النظرية، إلّا أنّه لم تتم المُوافقة بعد على استخدام هذه التقنية التجريبية على هذا النحو. 

الوضع الحالي

كما ذكرنا أعلاه، تتمتّع تقنية الحفظ بالتبريد بإمكانيات كبيرة. وقد أسفرت هذه التقنية حتّى اليوم عن 130 ولادة للأجنة.

ولكن، ما زالت ترتبط هذه التقنية بتحديات فنية ينبغي مُعالجتها. فيجب تحسين الإجراءات المُعتمدة لتجميد الأنسجة المُستئصلة إذ تُؤدّي الطرق المُعتمدة حالياً إلى تكوّن العديد من الجُريبات الفارغة، على الأرجح نتيجة تكوّن البلورات الثلجية. ويُساعد تحسين فرص بقاء الجُريبات على قيد الحياة في زيادة فترة حياة الأنسجة المزروعة.

كما يجب أيضاً إيلاء إهتمام أكبر للأشخاص الذين يُمكنهم الاستفادة من هذه التقنية. وفيما نمضي قدماً في هذا المجال، يجب أن نطرح الأسئلة التالية: هل تسمح هذه الطريقة بتأجيل بدء سن الأمل لدى النساء اللواتي يتمتّعنَّ بصحّة جيدة؟ أم أنّها طريقة يجب الاحتفاظ بها وتحسينها لكي يتم استخدامها بمثابة تقنية للحفاظ على الخصوبة من قبل النساء اللواتي هنَّ على وشك الإصابة بعقمٍ مُبكر؟

تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحّة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.

تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم.

المصدر:

  • Broekmans, Frank J. “Individualization of FSH Doses in Assisted Reproduction: Facts and Fiction.” Frontiers in Endocrinology, vol. 10, 26 Apr. 2019, doi:10.3389/fendo.2019.00181. 
  • Donnez, Jacques, and Marie-Madeleine Dolmans. “Fertility Preservation in Women.” New England Journal of Medicine, vol. 377, no. 17, 26 Oct. 2017, pp. 1657–1665., doi:10.1056/nejmra1614676. 
  • “Menopause: Symptoms.” NHS Choices, NHS, www.nhs.uk/conditions/menopause/symptoms/.
  • “Ovarian Tissue Freezing.” National Cancer Institute, www.cancer.gov/publications/dictionaries/cancer-terms/def/ovarian-tissue-freezing.
  • Rivas Leonel, Ellen Cristina, et al. “Cryopreservation of Human Ovarian Tissue: A Review.” Transfusion Medicine and Hemotherapy, vol. 46, no. 3, 9 Apr. 2019, pp. 173–181., doi:10.1159/000499054.
  • The Practice Committee of the American Society for Reproductive Medicine. “Ovarian Tissue Cryopreservation: a Committee Opinion.” Fertility and Sterility, vol. 101, no. 5, 31 Mar. 2014, pp. 1237–1243., doi:10.1016/j.fertnstert.2014.02.052.
Follow by Email
Twitter
Visit Us
Follow Me
LinkedIn
Share