العلاقة بين البدانة والإصابة بالسرطان لدى النساء

تتزايد مُعدّلات البدانة حول العالم بوتيرة خطيرة. وتصل مُعدّلات انتشارها في بعض دول الشرق الأوسط إلى 40%. ومن غير المُحتمل أن تتراجع هذه المُعدّلات في أي وقتٍ قريب بسبب اتّباع هذه الشعوب لنظام غذائي غير صحّي وعدم مُمارسة الرياضة بشكلٍ كافٍ. وترتبط البدانة بمجموعة كبيرة من المشاكل الصحية، منها داء السكّري من النوع 2، وارتفاع ضغط الدمّ، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، والموت المُبكر، والسرطان.

وتمَّ ربط البدانة بارتفاع مُعدّلات الإصابة بأنواع مُختلفة من السرطان، منها:

  • الأورام السحائية
  •  سرطان الغدة الدرقية
  • سرطان المريء
  • سرطان الثدي
  • الورم النقوي المُتعدد
  • سرطان الكبد
  •  سرطان الكلى
  • سرطان المرارة
  • سرطان المعدة
  • سرطان بطانة الرحم
  • سرطان المبيض
  • سرطان البنكرياس
  • سرطان القولون والمُستقيم

وقد أظهرت دراسة سكّانية واسعة النطاق في العام 2012 أنَّ حوالي 3.6% من أنواع السرطان عند البالغين هي ناتجة عن البدانة. وبالتالي، أصبحت البدانة ثاني أهمّ عامل خطر بعد التدخين للإصابة بالسرطان. وترتفع مُعدّلات الوفيات الناتجة عن السرطان مع ارتفاع مُؤشّر كتلة الجسم، ومن المُرجَّح أن يكون الأشخاص البدينون أكثر عُرضة للموت جرّاء السرطان بنسبة 40 إلى 80%. 

يتناول هذا المقال العلاقة بين البدانة والسرطانات النسائية بصورة مُفصّلة أكثر. ولكن، كما ذكرنا في القائمة أعلاه، فإنَّ المُشكلة هي أكثر شمولاً من ذلك؛ إذ يُؤدّي ارتفاع مُؤشّر كتلة الجسم إلى ارتفاع خطر الإصابة بأنواع مُختلفة من السرطان. وبالتالي، إذا كنتِ تُعانين من الوزن الزائد أو البدانة، من الضروري جداً أن تبدئي أولاً بخفض مُؤشّر كتلة الجسم لديكِ.   

السرطانات التي تصيب الجهاز النسائي التناسلي

  • سرطان بطانة الرحم، أو سرطان الرحم هو أحد أنواع السرطانات التي تنمو داخل خلايا بطانة الرحم. وتمَّ اكتشاف علاقة بين البدانة وسرطان بطانة الرحم لأول مرّة في الستينات. وتُشير التقديرات حالياً إلى ارتفاع خطر الإصابة بهذا النوع من السرطان بضعفين إلى أربعة أضعاف لدى النساء اللواتي يُعانين من البدانة أو الوزن الزائد. أمّا بالنسبة للنساء اللواتي يُعانين من زيادة كبيرة في الوزن، فيرتفع الخطر لديهنَّ بسبعة أضعاف.
  • سرطان المبيض. ترتبط زيادة مُؤشّر كتلة الجسم بمقدار 5 وحدات بارتفاع خطر الإصابة بسرطان المبيض بنسبة 10%.
  • سرطان الثدي. ترتبط زيادة مُؤشّر كتلة الجسم بمقدار 5 وحدات بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 12% لدى النساء في فترة ما بعد سن الأمل. ويزداد خطر إصابة النساء البدينات بسرطان الثدي بنسبة 20 إلى 40%. وسيكون التنبؤ بمسار هذا المرض لديهنَّ أسوأ عند تشخيصه كما سيزداد خطر انتشار السرطان في أجسامهنَّ.    

لماذا تزيد البدانة من خطر إصابتكِ بأمراض السرطان؟

تُعتبر التغيّرات الهرمونية والالتهاب اثنين من العوامل الرئيسية التي يُرجَّح أنّها تربط بين البدانة والسرطانات النسائية.

يتحول الأندروجين إلى إستروجين بواسطة أنزيم الأروماتاز. وتحصل هذه العمليّة عادةً في المبيضين لدى النساء اللواتي يتمتّعنَّ بصحّة جيدة قبل سن الأمل، فالإستروجين الذي يتم إنتاجه يُنظّم الدورة الشهرية. وبعد بلوغ سن الأمل، لا تعود المبايض قادرة على إنتاج الإستروجين؛ ولكن تستمرّ عملية إنتاجه في مناطق أخرى من الجسم، داخل الأنسجة الدهنية على سبيل المثال. وفي الواقع، تُعتبر الأنسجة الدهنية إحدى المناطق الرئيسية لإنتاج الإستروجين لدى النساء في فترة ما بعد سن الأمل, وهي تحتوي على مُستويات عالية من الأروماتاز . ويكون لدى النساء البدينات كميّة أكبر من الأنسجة الدهنية، ما يُؤدّي إلى ارتفاع مُستويات الإستروجين غير المُقاوم في الدمّ. وقد يحمل ذلك آثاراً إيجابية مثل الحفاظ على قوّة العظام (تخفيف خطر الإصابة بهشاشة العظام)، ولكنّه يزيد أيضاً من خطر الإصابة بفرط تنسّج بطانة الرحم (وهو علامة مُبكرة على سرطان بطانة الرحم) أو سرطان الثدي المُعتَمِد على الإستروجين.

تُعتبر البدانة بمثابة التهاب مُزمن مُنخفض الدرجة. كما أنّها حالة مُحرّضة على الالتهاب ويُعتقد أنّها تُلحِقُ ضرراً بالحمض النووي وتُوفّر بيئة تسمح بتكاثر الخلايا السرطانية. وتُعزّز الالتهابات بشكلٍ خاص ظهور الأورام ونموها. وتُنتج الأنسجة الدهنية أيضاً هرمونات الأديبوكينات، التي يُمكن أن تُؤدّي إلى تكاثر الخلايا السرطانية كما يُمكن أن تستهدف عوامل أخرى مسؤولة عن تنظيم الخلايا في الجسم. وبالتالي، يُمكن أن تُساهم هذه البيئة في نمو الأورام في حال توفّرت لها الظروف المُلائمة. 

وفي ما يتعلّق بسرطان الثدي، حاولت الدراسات الحديثة التعمّق في فهم البيئة المِكرويّة للأنسجة الدهنية الخاصة بالثدي. وقد وجدت هذه الدراسات أنَّ البدانة تُؤدّي إلى منافذ ميكانيكية في الأنسجة الدهنية، ما يرفع من خطر ظهور أمراض السرطان. كذلك، أي تعديل في بنية الأنسجة قد يزيد من قدرة خلايا الثدي على إنتاج أورام خبيثة، ما قد يُفسّر سبب التنبؤ بمسار أسوأ لسرطان الثدي لدى النساء البدينات المُصابات به.   

داء السكّري من النوع 2، والبدانة، والسرطان

ثمّة ارتباط وثيق بين البدانة، وداء السكّري من النوع 2، والسرطان. ويُرجَّح أنَّ العديد من الاضطرابات الاستقلابية تُؤدّي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان لدى مرضى السكّري من النوع 2.

ويُعتبر فرط الأنسولين أحد أعراض داء السكّري من النوع 2، وهو عبارة عن فائض في الأنسولين في الدمّ. وعلى الرغم من أنّه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بداء السكّري من النوع 2، إلّا أنّه لا يقتصر فقط على هذه الحالة. وترتفع مُستويات الأنسولين في الدمّ بشكلٍ ثابت مع ارتفاع مُؤشّر كتلة الجسم. وهذا يعني أنَّ أنسجة الجسم قد أصبحت مُقاوِمة للأنسولين وبالتالي يقوم الجسم بالتعويض عن طريق إنتاج المزيد من الأنسولين. وقد تبيّن أنَّ مُستويات الأنسولين المُرتفعة تُعزّز ظهور أنواع مُعيّنة من السرطان، منها سرطان بطانة الرحم. كذلك، ثمّة علاقة وثيقة وإيجابية بين مُقاومة الأنسولين من جهة والإصابة بسرطان الثدي في فترة ما بعد سن الأمل من جهة أخرى، وذلك نتيجة تأثير الأنسولين بشكلٍ مُباشر على الهرمونات الجنسية، ومن بينها الإستروجين. وبالإضافة إلى ذلك، هناك زيادة في التعبير عن مُستقبلات الأنسولين في أورام الثدي.

يرتفع خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 17% لدى النساء المُصابات بداء السكّري من النوع 2 في فترة ما بعد سن الأمل. كذلك، تبيّن وجود آثار وقائية للعلاج عبر دواء ميتفورمين، الذي يُستخدم عادةً لتدبير داء السكّري من النوع 2، إذ يُخفّف هذا العلاج من خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء المُصابات بداء السكّري. وقد أظهرت المزيد من الدراسات أنَّ مُعدّلات الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي وسرطان بطانة الرحم تكون أكثر ارتفاعاً لدى النساء المُصابات بداء السكّري من النوع 2.

كذلك، لا تُواجه النساء المُصابات بداء السكّري من النوع 1 نفس الخطر المُرتفع للإصابة بالسرطان.

في الختام

تُعتبر العلاقة بين البدانة والسرطان علاقة مُعقّدة وما زالت طبيعة العوامل الفيزيولوجية التي تربط بين الاثنين غير مفهومة جيداً بعد. وكما سبق وشرحنا في هذا المقال، تكون هذه العلاقة على الأرجح عبارة عن تفاعل بين عدّة عوامل، منها الهرمونات، وعوامل النمو، والالتهابات، وتغّير بنية الأنسجة. ويبدو أيضاً أنَّ مُقاومة الأنسولين هي أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالسرطان الناجم عن البدانة.   

وعلى الرغم من وجود أدلّة تُظهر انخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي، وبطانة الرحم، والمبيض (بالإضافة إلى سرطان القولون والكلى) لدى النساء اللواتي اكتسبن وزناً أقلّ خلال سنّ الرشد؛ إلّا أننا نجد عدداً قليلاً فقط من الأدلّة التي تُظهر أنَّ فقدان الوزن المُتَعَمَّد يُحسّن مُعدّلات ظهور المرض مُجدداً أو التنبؤ بمساره لدى النساء اللواتي تمَّ تشخيصهنَّ بالسرطان من قبل.

وثمّة موضوع آخر يتطلّب مزيداً من الاهتمام وهو ما إذا كانت تُؤثّر البدانة على فعاليّة علاجات السرطان الأكثر شيوعاً. ومن المعروف أنَّ ميكروبيوم الأمعاء يكون أقلّ تنوعاً لدى المرضى المُصابين بالبدانة، ما قد يُساهم في ارتفاع خطر الإصابة بالتهابات. ولكن تُظهر الدراسات الأولية التي أجريت على الفئران أنَّ تغيّر الميكروبيوم قد يُؤثّر أيضاً على الاستجابة المناعية للعلاج. ولكن ما زال يلزم إجراء هذه الدراسات على الإنسان لتأكيد صحّة هذه النظرية، إلّا أنّها قد تُفسّر سبب استجابة المرضى بشكلٍ مُختلف للعلاج.  

تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.

تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم. 

المصدر:

  • Arendt, Lisa M., and Charlotte Kuperwasser. “Working Stiff: How Obesity Boosts Cancer Risk.” Science Translational Medicine, vol. 7, no. 301, 19 Aug. 2015, doi:10.1126/scitranslmed.aac9446.
  • Arnold, Melina, et al. “Global Burden of Cancer Attributable to High Body-Mass Index in 2012: a Population-Based Study.” The Lancet Oncology, vol. 16, no. 1, Jan. 2015, pp. 36–46., doi:10.1016/s1470-2045(14)71123-4.
  • Calle, Eugenia E, and Michael J Thun. “Obesity and Cancer.” Oncogene, vol. 23, no. 38, 23 Aug. 2004, pp. 6365–6378., doi:10.1038/sj.onc.1207751.
  • Col, Nananda F., et al. “Metformin and Breast Cancer Risk: a Meta-Analysis and Critical Literature Review.” Breast Cancer Research and Treatment, vol. 135, no. 3, Oct. 2012, pp. 639–646., doi:10.1007/s10549-012-2170-x.
  • CONFRONTING OBESITY IN THE MIDDLE EAST: Cultural, Social and Policy Challenges. The Economist, Oct. 2016, https://eiuperspectives.economist.com/sites/default/files/ConfrontingobesityintheMiddleEast_0.pdf.
  • Gallagher, Emily Jane, and Derek Leroith. “Obesity and Diabetes: The Increased Risk of Cancer and Cancer-Related Mortality.” Physiological Reviews, vol. 95, no. 3, July 2015, pp. 727–748., doi:10.1152/physrev.00030.2014.
  • Ligibel, Jennifer A., and Howard D. Strickler. “Obesity and Its Impact on Breast Cancer: Tumor Incidence, Recurrence, Survival, and Possible Interventions.” American Society of Clinical Oncology Educational Book, vol. 33, 2013, pp. 52–59., doi:10.1200/edbook_am.2013.33.52.
  • “Obesity and Cancer Fact Sheet.” National Cancer Institute, https://www.cancer.gov/about-cancer/causes-prevention/risk/obesity/obesity-fact-sheet#r48.
  • Seo, Bo Ri, et al. “Obesity-Dependent Changes in Interstitial ECM Mechanics Promote Breast Tumorigenesis.” Science Translational Medicine, vol. 7, no. 301, 19 Aug. 2015, doi:10.1126/scitranslmed.3010467.
  • Sivan, A., et al. “Commensal Bifidobacterium Promotes Antitumor Immunity and Facilitates Anti-PD-L1 Efficacy.” Science, vol. 350, no. 6264, 27 Nov. 2015, pp. 1084–1089., doi:10.1126/science.aac4255.
  • Stocco, Carlos. “Tissue Physiology and Pathology of Aromatase.” Steroids, vol. 77, no. 1-2, Jan. 2012, pp. 27–35., doi:10.1016/j.steroids.2011.10.013.
  • Stone, Trevor W., et al. “Obesity and Cancer: Existing and New Hypotheses for a Causal Connection.” EBioMedicine, vol. 30, Apr. 2018, pp. 14–28., doi:10.1016/j.ebiom.2018.02.022.