العقم مجهول السبب

Undiagnosed infertility

تختلف تجربة العقم بين شخصٍ وآخر، وسوف أتحدّث في هذا المقال عن تجربتي الشخصية. بدأت قصتي عندما تزوّجتُ في بداية 30 من عمري. كان كل شيء على ما يرام، كنتُ أحبُّ زوجي وعملي وكنّا مُتحمّسَين لشراء منزل أحلامنا سوياً. قررنا تأخير إنجاب الأطفال إلى أن نستقرّ في “منزلنا الأبدي”، ولم أفكّر يوماً أنَّ ساعتي البيولوجية قد تتحوّل إلى مُشكلة! تُعاني اثنتان من أقاربي من مشاكل في الخصوبة، ولكن لم أتخيّل أبداً أن يكون حظّي سيئاً لهذه الدرجة!

وأخيراً، عادت الأمور إلى نصابها في الصيف الذي بلغتُ فيه 35 عاماً. كنّا نُمارس حياتنا الجنسية بنشاط بهدف الإنجاب، وكنتُ قد بدأتُ بتناول أطعمة صحية أكثر واستخدام مُكمّلات الفيتامين D المُخصصة للنساء اللواتي يُحاولن الإنجاب. تمنّيتُ ألا يستغرق حدوث الحمل أكثر من 6 أشهر أو سنة. وقرأتُ في مقالٍ أدبي على الإنترنت أنَّ حدوث الحمل عندي قد يستغرق 6 أشهر على الأقلّ بما أنني تجاوزتُ 30 عاماً. وبالإضافة إلى كوني قد “تقدّمتُ في السنّ” نوعاً ما، لم يكن هناك أي سبب آخر يجعلني أشكّ أنّني قد أعاني من مشاكل في الخصوبة. كنتُ أتمتّع بمُؤشّر كتلة جسم صحّي وأمارس الرياضة بانتظام. كنتُ محظوظة بأني أحب عملي ولم أكن أعاني من أي مُشكلة في حياتي الشخصية تسبب التوتر فضلاً عن انتظام الدورات الشهرية لديّ وغزارتها المنطقية نوعاً ما دون أي مشاكل مُرتبطة بها إلى حد علمي.   

وعلى الرغم من “مُحاولات الإنجاب” التي قمنا بها على مدى 6 أشهر، لم أفوّت أي دورة شهرية. قمتُ بزيارة الطبيب الذي نصحني بالاستمرار في المُحاولة لمدّة 6 أشهر إضافية. في حال عدم حدوث الحمل بعد هذه الفترة، ستتم إحالتي إلى طبيب نسائية كوني سأكون قد تجاوزتُ 35 عاماً في هذه المرحلة وأُعتبر بالتالي “مُسنّة” من ناحية إنجاب الأطفال، ما سبّب لي نوع من الصدمة والخوف! انقضت 6 أشهر إضافية، وكنتُ أستخدم خلال هذه الفترة شرائط فحص الإباضة كلّ شهر لمُحاولة التنبؤ بأفضل وقت لمُمارسة الجماع. ولكن على الرغم من ذلك، لم أفوّت أي دورة شهرية.

بعد مرور سنة على “مُحاولة الإنجاب”، تمت إحالتنا إلى طبيب نسائية، وكنتُ على وشك بلوغ 36 عاماً. أجريتُ عدّة فحوصات دمّ بالإضافة إلى صورة بالموجات فوق الصوتية عبر المهبل، وفحص مسحة عنق الرحم، وتصوير الرحم والبوق (HSG) بالأشعّة السينيّة. كذلك، قام زوجي بإجراء تحليل للسائل المنوي. وجاءت جميع النتائج “طبيعيّة”، وبالتالي، تمَّ استبعاد وجود مُشكلة في الخصوبة لدى زوجي، أمّا بالنسبة لي، فتمَّ تشخيصي “بالعقم مجهول السبب”، الذي هو شائع إلى حدّ ما لدى النساء اللواتي تجاوزن 35 عاماً. من باب الاحتياط، أجريتُ فحصاً لمخزون المبيض عندي (عدد البُويضات الموجودة في جسمي) عن طريق قياس مُستويات الهرمون المُضاد لمولر AMH في الدمّ. بيَنت نتيجة الفحص أنّها “مُنخفضة”، مما جعلني أشعر بقليلٍ من الخوف. ولكن، في المُقابل، تبيّن أنَّ مخزون المبيض لديّ هو ضمن المُعدّل الطبيعي للنساء في هذا العمر والمرحلة.

في البداية، نَصَحَنا الطبيب بمُمارسة الجماع كلّ يومين أو ثلاثة خلال دورتي الشهرية لمدّة 6 أشهر. كما وصف لي دواء كلوميفين الذي يُؤخذ عن طريق الفمّ بين اليوم 2 و6 من الدورة الشهرية من أجل تحسين الإباضة. ويُوصف هذا الدواء عادةً للنساء اللواتي لا تكون الإباضة لديهنّ منتظمة أو لا تحدث على الإطلاق.

وبعد مرور هذه الفترة وعدم حدوث الحمل، تمّت مُراقبة الجُريبات لديّ لمُدّة 3 أشهر. وهذا ما سمح للطبيب بتحديد الوقت الأمثل لحدوث الحمل خلال دورتي الشهرية. أجريتُ صورة بالموجات فوق الصوتية عبر المهبل في اليوم 10 من دورة الحيض. وتمّت مُراقبة المبايض لديّ إلى حين نضوج الجُريب ( يجب أن تبلغ سماكة بطانة الرحم أكثر من 16 ملم). وعندما أصبحت البُويضة جاهزة ليتم إطلاقها من الجُريب، طُلِبَ منّي أن أحقن نفسي بالهرمون المشيمائي البشري (HCG) لمُساعدة العمليّة. كذلك، نَصَحَنا الطبيب بمُمارسة الجماع كلّ يومين أو ثلاثة خلال دورتي الشهرية وزيادة هذه الوتيرة أثناء فترة الإباضة. كما وصف لي مرّة جديدة دواء كلوميفين الذي يجب أن أتناوله بين اليوم 2 و6 من الدورة الشهرية.

وبعد ذلك، تم وضع خطة لتحريض الإباضة تقوم على تحفيز المبيضين عبر حقن الهرمون المُنبّه للجُريب 

(FSH) كل يوم وآخر من اليوم 2 وحتى اليوم 8 لمُساعدة البويضة على النمو. وفي اليوم 9، أجريتُ عدّة صورٍ بالموجات فوق الصوتية للحوض بهدف مُراقبة المبايض وتتبُّع نمو الجُريبات. توقّفتُ عن أخذ حقن الهرمون المُنبّه للجُريب فور نضوج الجُريب وتمَّ إعطائي حقنة هرمون المشيمائي البشري (HCG) لإطلاق البُويضات بعد 35 ساعة.

وبعد مرور سنة على مُراقبة الجُريبات والعمل على تحسين الإباضة وتحريضها، لم يحدث الحمل. نَصَحَنا الطبيب باللجوء إلى التلقيح في المُختبر (IVF) نظراً لعمري (إذ كنتُ أبلغ 38 عاماً في هذه المرحلة). وكنتُ محظوظة جدّاً لأنّني لم أعانِ خلال كلّ هذه الفترة من الآثار السلبية الشائعة المُرتبطة بعلاجات الخصوبة التي تلقّيتها، لذلك لم أكن خائفة من التلقيح في المُختبر بل على العكس، كنتُ مُتحمّسة. وأعرف شخصياً بعض النساء اللواتي وجدن جميع الخطوات التي تسبق وتلي هذا العلاج صعبة جداً على الصعيد الجسدي والعاطفي، ما دفع بهنّ لأخذ فترات استراحة بين المراحل المُختلفة من التلقيح في المُختبر.     

قبل البدء بعلاج تجميد الأجنّة بالتلقيح في المُختبر، أجريتُ صورة بالموجات فوق الصوتية للرحم بحقن محلول ملحي. أظهرت الصورة وجود بوليب صغيرة الحجم في جدار الرحم. لذا، قمتُ بإجراء تنظير للرحم تحت تأثير التخدير العام لاستئصال هذا البوليب من باب الاحتياط لأنه يُمكن أن يؤثّر سلباً على الجنين الذي ينمو في الرحم. وبعد ذلك، بدأتُ بخطوات التلقيح في المُختبر(IVF) وأجريتُ دورة نقل أجنّة طازجة وأخرى مُجمّدة، ولسوء الحظّ، فشلت كلتا الدورتين. ولكن على الرغم من ذلك، أصبح لدينا زوجاً من الأجنّة بصحّة جيّدة نتيجة هاتين الدورتين، ما جعلنا سُعداء إلى حدّ ما. اضطررنا بعد ذلك إلى تلقّي علاجٍ خاص وقررنا اللجوء إلى حقن الحيوان المنوي داخل الهَيولَى (ICSI)، الذي يقوم على تجميد الأجنّة بالتلقيح في المُختبر إضافة إلى حَقن الحيوانات المنوية لزوجي في البُويضات الخاصة بي مجهرياً. وتكلّلت هذه العملية بالنجاح من المرّة الأولى وأدّت إلى ولادة طفلَينا الرائعَين، صبي وفتاة.

كنتُ محظوظة للغاية لأنَّ مُقدّم الرعاية الطبية الخاص بي (هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS في المملكة المُتحدة) قام بتمويل جميع العمليات التي أجريتها لعلاج مُشكلة العقم لديّ إضافة إلى فحص مخزون المبيض. أعرفُ نساءً في بلدان أخرى يُعانين أيضاً من العقم ولكن وجدن كلفة علاجات الخصوبة مُرتفعة جدّاً، ما زاد من التوتر لديهنّ.

خلال السنوات التي كنّا نُجري فيها هذه العمليات المُختلفة بسريّة تامّة للتمكّن من الإنجاب، صادفنا بعض الأشخاص الذين كانوا يسألوننا، عن حسن نيّة، عن سبب “تأخّرنا” في إنجاب الأطفال. وبالنسبة لي، كانت هذه أصعب تجربة اختبرتها في حياتي. وكنتُ محظوظة لأنّني لم أجد عملية العلاج بالهرمونات صعبة جدّاً من الناحية النفسية. وبعد المُحاولة لمدّة سنة من دون الحصول على أي نتيجة، كنت قد بدأتُ أتقبّل فكرة أنّني لن أتمكّن من الحمل كما هو الحال مع اثنتين من أقاربي. وأنا أدركُ تماماً أنَّ كلّ شخص يختبر النجاح والفشل بطرقٍ مُختلفة، ولطالما شعرتُ بأنّني محظوظة لأنَّ لديّ زوجاً يُحبّني ويدعمني في كلّ ما أقوم به. وأتمنّى أن تنجح جميع النساء اللواتي يُعانين من عقم مجهول السبب في الإنجاب وأن يقبلن بالنتيجة أياً كانت.    

Follow by Email
Twitter
Visit Us
Follow Me
LinkedIn
Share