مرحباً بكِ أوليفيا
نتأسّف كثيراً أنّكِ لم تتمكّني من البقاء.
الجمعة 27 مارس، وبعد أيام قليلة فقط من معرفة أن طفلتنا قد تُوفيت، قمنا بدفنها ولم نكن نعرف بعد كيف نتغلّب على الحزن الذي في داخلنا. كان يوماً لم أشهد مثله من قبل وآمل ألا أضطر إلى ذلك مجدداً. ويُعتبر العلاج الطبّي للإجهاض تجربة غريبة ولكن ضرورية، خاصة في مثل حالتي. وجدتُ عملية الترقّب صعبة؛ فقد علمتُ أنّني سأعاني من انقباضات، وكانت الانقباضات الوحيدة التي تعرّضتُ لها في حياتي هي عندما حدث المخاض الكامل وكانت تجربة مخيفة للغاية. مُجرّد التفكير في أنّني قد أعاني من القيء والإسهال ونوبات رجفة وآلام في العظام وآلام شديدة كان يُشعرني بالخوف. لماذا لا يُمكن أن تكون هذه العملية سهلة؟ فقد كانت أوليفيا هادئة للغاية وهي نائمة في رحمي، فلماذا لا تكون رحلة انتقالها من داخلي إلى مثواها الأخير تحت التراب هادئة مثل موتها؛ الذي لم يُلاحظه أحد. كنتُ أشعر بالتوتر ولكنني كنتُ جاهزة أيضاً. كنتُ أعلم أنّه لا يُمكنني الاحتفاظ بها في داخلي إلى الأبد.
أوصلني جوناثان إلى موعدي وأنزلني عند الأبواب المغلقة لمركز النساء. وكان الأمر الأكثر غرابة هو أنّني أخوض هذه التجربة الحقيقية والصعبة للغاية في ظلّ جائحة كوفيد-19 التي جعلت العالم بأسره يبدو غريباً. وقيل لي إنّه يجب أن يصطحبني جوناثان إلى المستشفى ومن ثمَّ يُعيدني إلى المنزل في حال كنتُ أعاني من الآثار الضارة للدواء، ولكن لم يكن يُسمح له بالدخول. إذ لا يُسمح لأحد غير المرضى بالدخول إلى المستشفى. أفهم تماماً ضرورة اتخاذ هكذا إجراءات، ولكنّه لا يجعل الأمر أقل غرابة؛ كانت الأبواب مقفلة، والممرات خالية تماماً من الزوار وحتّى المرضى كما أنّه تمَّ إلغاء جميع المواعيد “غير الضرورية”. كذلك، كان يبدو عدد الموظفين قليلاً ولكنّني كنتُ متأكّدة من أنّهم متواجدون في مكان ما في المستشفى.
التقيتُ بسيدة في المصعد وكنّا نقف في جهتين متقابلتين. كانت تحمل مُذكّرات الأمومة الزرقاء الخاصة بها تحت ذراعيها. سألتني إذا كنتُ مُتوجّهة أيضاً إلى الطابق 4 فأومأت لها برأسي. وأخبرتني كم تكره إجراء صورة بالموجات فوق الصوتية من دون وجود زوجها معها، وتود فقط أن تُجريها وتُغادر في أسرع وقتٍ ممكن. ابتسمتُ لها بلطفٍ. وأعتقد أنّه بسبب المخاوف التي كانت تشعر بها، لم تلاحظ الحزن في عينيّ وإلّا لما استمرت في الكلام. عندما توقّف المصعد، سألتني إذا كان بإمكانها السير معي لأنها لا تعرف إلى أين تذهب. فقلتُ لها “لسنا ذاهبَتَين إلى المكان نفسه.” وما زلتُ أعتقد أنّها لم تفهم بعد ما الذي يحدث معي، ربّما لأنّها كانت مُنشغلة بمخاوفها الخاصة. فقالت لي: “لا أعرف إلى أين أذهب. لم آتي إلى هنا من قبل. ألستِ هنا لإجراء صورة الأسبوع 12؟” أومأتُ لها برأسي. وقلت لها “سأريكِ إلى أين تذهبين؛ أوصلتها إلى باب استقبال قسم الأشعّة وتركنا مسافة آمنة بيننا على ما أظنّ. راقبتها وهي تدخل الغرفة متمنّية أن أكون مكانها. كنتُ أرغب كثيرًا في أن يتحقّقوا مرّة أخرى وأن يجدوا خطأ وأن تكون طفلتي ما زالت على قيد الحياة. ولكنني كنتُ أعلم أن ذلك لن يحدث. كانت صورة الموجات فوق الصوتية التي أجريتها يوم الثلاثاء لا تزال محفورة في ذهني: كنتُ أعرف أنني لستُ مُخطئة. كنتُ أعرف أنّها ماتت. لقد رأيتها بعينيّ. عدتُ إلى آخر الممر وتمنّيتُ ألا تعرف هذه المرأة عن التجربة التي خضتها. تمنّيتُ أن تتحقق كلّ أحلامها على الشاشة أمامها خلال الدقائق القادمة؛ أتمنّى أن تكون قد حصلت على الأخبار السعيدة التي يستحق أن يسمعها جميع الأهل.
شعرتُ بقليل من الذلّ في عملية تدبير الإجهاض كما هو الحال أثناء الولادة. ولا أقصد بذلك الأطبّاء والممرضين الذين قابلتهم؛ فقد كانوا لطفاء ومتعاطفين وصريحين معي. قاموا بأخذ عيّنة من دمي وأخبروني عن العملية: “يُمكن أن تكون مؤلمة للغاية، ولكننا سنعطيكِ مُسكّنات للألم لمُساعدتكِ على تدبيرها. وسنعطيكِ أيضاً دواءً مضادًا للغثيان، إذ قد يستمر الغثيان لديكِ. سوف تُعانين من انقباضات ونزيف ولكن انتبهي من ألا تنزفي كثيرًا. وسنتصل بكِ يوم الجمعة ولكن يُمكنكِ الاتصال بنا قبل ذلك الوقت، وفي حال كنتِ تُعانين من نزيف شديد، اذهبي إلى قسم الحوادث والطوارئ في المستشفى وانتبهي من العدوى وحاولي التحقّق من المناديل، ولكن في حال لم تتمكّني من القيام بذلك، سوف تُضطرين إلى العودة مجدداً.” كان عقلي يتصارع مع الكثير من الحقائق والاحتمالات ولكن ثمّة خوف رئيسي واحد كان يشغل بالي: ألّا ينجح العلاج الطبّي. كنتُ أشعر بالغثيان بمُجرّد التفكير في العودة إلى هنا والقيام بذلك مجدداً – ولم أكن حتّى قد تناولتُ أي دواء بعد. قيل لي إنَّ نسبة نجاح العلاج من المرّة الأولى هي حوالي 75%؛ وقد وجدتُ هذه النسبة جيدة جدًا، ولكن تذكّرتُ أنَّ احتمالات بقاء طفلتنا على قيد الحياة كانت أيضاً جيدة جداً في تلك الفترة، لذا لم أجد أنَّ الاحتمالات كانت تصبُّ في صالحي هذا الأسبوع. أومأت برأسي كعلامة على أنّني فهمتُ ما قيل لي وسمحتُ لهم بالبدء بالجزء غير اللائق؛ أخذتُ دواءً مضاداً للغثيان، ووضعت الممرضة أربع حلقات مهبلية في داخلي (كانت لطيفة معي وتقوم بإدخال اثنتين في كلّ مرّة؛ إذ يجب أن تصل هذه الحلقات إلى عنق الرحم وبالتالي لم تكن تجربة مريحة) ولكن لم أسمح لها بوضع التحميلة؛ قررتُ أن أفعل ذلك بنفسي في محاولة للحفاظ على القليل من الكرامة التي تبقّت ليّ. طُلِبَ منّي أن أبقى مستلقية لمدّة عشرين دقيقة حتّى يتم امتصاص الحلقات المهبلية وبعد ذلك يُصبح بإمكاني المغادرة. وبعد أقل من ساعة، سمحوا لي بالمغادرة وأعطوني علبة من دواء كودين، وفوط صحية من الحجم الصناعي التي تُستخدم بعد الولادة و”فوط الجرو” المُربّعة الشكل والمصنوعة من البلاستيك التي تضعها المرأة تحتها بعد الولادة. ومن سخرية القدر أن أتذكّر أنّه في المرّة الأخيرة التي تواجدتُ فيها في هذا المركز مع دواء كودين و”فوط الجرو” والفوط الصحية كبيرة الحجم، كانت بعد ولادة هاري. والآن، أنا أحمل نفس الأغراض في نفس المكان ولكن هذه المرّة، كان الطفل ميتاً.
كان جوناثان وهاري يتجوّلان من دون وجهة محددة في محيط أكسفورد في الوقت الذي كنتُ فيه في المستشفى، وينتظران أن أتصل بهما لكي يعودا ويصطحباني إلى المنزل. فقد كانت مواقف السيارات للزوار في هذا المركز مغلقة. وعندما غادرتُ المركز لأصعد إلى السيارة، رأيتُ سيدة أخرى تقف في الخارج، والدموع تنهمر من عينيها، ويُعانقها شريكها بين ذراعيه. كنتُ أود أن أعانقها أيضاً. لقد أصبح من الواضح بالنسبة لي أنَّ هذا المركز هو مبنى مليء بأطهر أنواع الحب وأقسى أنواع الحزن. إنّه المكان الذي تُصبح فيه الأحلام حقيقة ويُولد فيه الأطفال، ولكنّه أيضاً المكان الذي تنكسر فيه القلوب: المكان الذي يموت فيه الأطفال.
توجّهنا إلى المنزل وقبل أن تنتهي رحلة الخمس عشرة دقيقة في السيارة، بدأتُ أشعر بالغثيان. ذهبتُ إلى الفراش مع الحزمة التي أُعطيت لي في المستشفى وجهاز الآيباد الخاص بي وكوب من الشاي وشراب اسكواش (شراب مُرَكَز مصنوع من عصير الفاكهة)، وجهّزتُ نفسي لكي أرحّب بطفلتي وأودّعها في الوقت نفسه. أخبرنا هاري أنّني خرجتُ من المنزل حتّى لا يبحث عنّي. لم أرد أن يراني أتألّم أو أنزف. بالنسبة له، لم تعد الطفلة أوليفيا في بطن أمّه بعد الآن. لقد غادرت بنفس الطريقة السحرية التي ظهرت فيها في بطني. وهو ليس بحاجة أن يعرف عن العملية الجسدية المؤلمة التي تترافق مع فقدان الطفل.
شعرتُ بالغثيان لبضع ساعات ومن ثمَّ بدأتُ أشعر بالألم. وتماماً كما حدث في المخاض، بدأت آلام الدورة الشهرية ومن ثمَّ ازدادت سوءاً إلى أن أصبحت من أسوأ الآلام التي اختبرتها في حياتي لتتحوّل في النهاية إلى تقلّصات واضحة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تدفّق الدم، كان في البدء شبيهاً بالدمّ الذي ينزل أثناء الدورة الشهرية ومن ثمَّ أصبح غزيراً جداً وتحوّل إلى أسوأ نزيف اختبرته في حياتي ليُصبح في النهاية نزيفاً مُتواصلاً. استلقيتُ على “فوط الجرو” بعد أن وضعتُ الفوط الصحية الخاصة بي، وعندما شعرتُ بانقباض في معدتي، علمتُ أنّها ستخرج قريباً. كان الألم شديداً، ولكن يُمكن تدبيره. لم آخذ قرصاً من دواء كودين على الرغم من أنّه كان يجب أن أفعل ذلك. إذ لا داعي أن أتألّم. ولكنني ظننتُ أنَّ الألم سيزداد، لذا فقد أحتاج إلى تناول هذا الدواء عندئذ. ونظراً لتجربتي السابقة والوحيدة مع التقلّصات عندما أنجبتُ هاري الذي كان يزن 10 أرطال و6 أونصات، خشيتُ أن يكون ما زال أمامي طريق طويل قبل أن تخرج أوليفيا. كانت التحميلة التي أُعطيت لي في المستشفى بمثابة مُسكّن للألم، وأعتقد أن الألم كان ليكون أسوأ من دونها. وتماماً كما أخبرني الأطبّاء، ازدادت شدة الألم وأصبحت معدتي مشدودة. لقد حان الوقت للقاء طفلتي.
كانت جميلة للغاية. وأعلم أنَّ الكثير من الأشخاص يُفضّلون عدم رؤية طفلهم في هذه المرحلة فكل شخص يختلف عن الآخر ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتعامل مع تجربة كهذه، ولكنني علمتُ أنني بحاجة إليها. كنت مُصرّة على أن أراها وأتحدّث معها، كنتُ أريد أن أحمل طفلتي للمرّة الأولى والأخيرة.
عندما خرجت أوليفيا، كنتُ متأكّدة أنني سأبكي. كل ما فعلته منذ اللحظة التي علمتُ فيها أنّها تُوفيت وحتّى الآن هو البكاء. ظننتُ أنّني سوف أنهار عند رؤيتها. ولكن في الواقع، كانت الساعة التي قضيتها معها هي المرة الوحيدة خلال الأسبوع الماضي التي لم أكن أبكي فيها أو على وشك البكاء. عندما علمتُ أنّها تُوفيت، شعرتُ أنّني فقدتُ هدفي في الحياة كأمّ في ظلّ الحزن الذي كان ينتابني. كان من المُفترض أن أهتم بها وأراها تكبر وأحضّرها للدخول إلى هذا العالم. كان من المُفترض أن أقوم بتربيتها وأشاهدها تزدهر في كلّ مرحلة من حياتها. وأن أمسح أنفها ودموعها وأقبّل ركبتيها الصغيرتين. حُرمتُ من كل ذلك عند أول عقبة: رعايتها والاهتمام بها ورؤيتها تكبر. لقد ماتت في أكثر مكان آمن بالنسبة لها، لقد ماتت في داخلي. وعلى الرغم من أنّني أعلم أنَّ هذا ليس خطئي وقد فعلت كل ما بوسعي للحفاظ عليها، أعتقد أنَّ جزءاً صغيراً مني يشعر بأنّني خذلتها.
ولكن الآن، كان لديّ هدف مرّة جديدة. عندما خرجت أوليفيا إلى العالم لم أذرف دمعة. حملتها، وقمتُ بتنظيفها قليلاً. وجدتها مثالية. قضيتُ وقتًا طويلاً أحدّق بها وأحاول أن أحفظ كل تفاصيل جسدها الصغير؛ لا أريد أن أنسى أي تفصيل فيها (التقطتُ بعض الصور لها، التي سوف نعتز بها دائماً أنا وجوناثان. كانت صوراً شخصية جداً بالنسبة لنا. وشعرتُ أنّها مهمّة؛ إذ سوف تُساعدنا على ألا ننسى أبداً شكلها حتى عندما نكبر في السنّ وتبدأ ذكرياتنا بالتلاشي). كانت عيناها كبيرتين وسوداوتي اللون. وكان الأسود فيهما بلون الفحم على عكس جسدها الذي كان بلون بياض الثلج. لقد تكوّنت قدماها ويداها بالكامل، ولكن كانت لا تزال مُتشابكة. لم تكن ساقاها وذراعاها متناسقة بالكامل كما كنّا نتوقّع ولكن لم يجعلهم ذلك أقل جمالاً. جلستْ بسهولة جداً في راحة يدي. وكان يبلغ طولها بضعة سنتيمترات فقط وكانت مستلقية على جانبها في يدي لا تتحرّك.
حملتها لفترة طويلة. تحدّثتُ معها. أردتها أن تعرف كم نُحبّها وأنَّ ما حصل لن يُغيّر ما نشعر به تجاهها، وسوف نُحبّها دائماً. أردتها أن تعرف أنّنا لن ننساها أبداً. أخبرتها أنّه لا داعي أن تخاف؛ أنّني لو استطعت، لسمحتُ لها بالبقاء في داخلي إلى الأبد، وأنَّه على الرغم من أنّها ستُغادر الآن ولكنّها ستظلّ دائماً في أمان. جاء جوناثان لرؤيتها. رحّب بها وودّعها في الوقت نفسه ومن ثمّ تركنا بمفردنا لنتحدّث أكثر. وعندما تأكّدتُ من أنّني قلتُ لها كل ما أردتُ قوله، ودّعتها وداعبتُ جسدها الصغير ووضعتها بلطف في صندوق إلى جانب الدبّ الذي اشتريناه لها ومن ثمَّ وضعتهما في صندوق آخر لكي ندفنهما تحت التراب.
هي الآن في الصندوق الأبيض الصغير الموجود تحت لوحة اسمها.
ازدادت تقلّصاتي سوءاً بعدما خرجت أوليفيا. شعرتُ كأنَّ رحمي يبكي أيضاً على فقدانها. كأنّه مليء بالحزن. كانت الساعة التالية بنفس سريالية الساعات التي سبقتها. راقبتُ جوناثان وهو يحفر حفرة في حديقتنا. وشرحنا لهاري مرّة أخرى أنَّ هذا هو المكان الذي ستنام فيه شقيقته إلى الأبد. وضعنا الصندوق بلطف في الحفرة وشاهدناه يختفي تحت التراب؛ شاهدنا جوناثان يزرع شجيرة الورد التي اشتريناها لها فوق مثواها الأخير. وضعنا لها لوحة في الأرض محفورٌ عليها اسمها. شعرتُ كأنّني أشاهد من بعيد ما الذي كان يحدث. فبالتأكيد لم أكن أنا من احتضن طفلتي الميتة بين ذراعيّ ودَفَنَها في الحديقة.
ولكنّني كنتُ ذلك الشخص. وكان ذلك زوجي الذي يحفر الحفرة، وابني الذي يُقبّل الصندوق الذي كانت ترقد في داخله أخته الصغيرة، وأنا من قمتُ بأخذ طفلتي من الرحم ووضعها بين ذراعيّ ومن ثمَّ دفنها تحت التراب في غضون ساعات قليلة فقط. وأنا من كان عليه أن يتكيّف مع حياتي الجديدة. ولكنني لستُ الوحيدة؛ إذ تختبر الكثير من العائلات حول العالم هذه التجربة يومياً، ولكن هذا لا يُخفّف من الألم الذي تشعرين به ولا يجعل تجربتكِ أو طفلكِ أقل أهمية. إذ تكون حياة كل طفل ثمينة ومهمّة بالنسبة لعائلته، وقصّته هي قصّتكِ لتتحدّثي عنها أو تحتفظي بها لنفسكِ كما ترينه مناسباً.
أوليفيا هي طفلتنا. هي الطفلة الحية التي كانت تنمو في داخلي والتي كنّا ننتظر قدومها بفارغ الصبر. سوف تبقى دائماً طفلتنا. ستكون الأيام والأسابيع القادمة صعبة جداً. نحن نعلم ذلك. أشعرُ بفراغ حالياً، ولكنّني أسمح لنفسي بأن أشعر بهذا الإحساس. فهو شعور طبيعي في هذه المرحلة: أشعر بالفراغ لأنني فارغة من الداخل. لقد جرت الكثير من الأحداث في هذه الفترة الزمنية القصيرة. فقبل أقل من أسبوع فقط، كنتُ حاملاً وكنّا نُخطط لمستقبل طفلتنا وعائلتنا. أمّا الآن، فطفلتنا ترقد تحت التراب في حديقتنا الخلفية وعلينا أن نجد طريقة للتعامل مع هذه الخسارة. وسوف نجد طريقة. لا شيء مؤكّد وكل شيء يستغرق وقتًا، ولكنني مُتأكّدة من أمرٍ واحد: لن نتخطّى هذه الخسارة أبداً. لن نترك طفلتنا بمفردها في هذه الفترة الأليمة. سنمضي قدماً معها. هي فردٌ من عائلتنا وستبقى كذلك إلى الأبد. إنها أخت هاري. وستكون أختاً كبيرة لأي طفلٍ يأتي من بعدها. هي طفلتنا، الآن ودائما.
هي أوليفيا.
***
نُشِرَ هذا المقال في البداية في 1 أبريل على مُدوّنة روزي الشخصية ، كلمات لأوليفيا.
عن الكاتبة
تبلغ روزي 28 عاماً وتعيش في أكسفورد مع زوجها وابنهما هاري وكلبهم نايجل. وهي أمّ لثلاثة أولاد، هاري الذي يبلغ الآن ثلاث سنوات وأوليفيا التي فقدتها للأسف في مارس من هذا العام وهي حاملٌ حالياً بطفلها الثالث. روزي حائزة على شهادة في الأدب الإنجليزي والكتابة الإبداعية ولطالما استمتعت بالكتابة. منذ أن فقدت أوليفيا، وجدت روزي أنَّ الكتابة والتحدّث عن الإجهاض ذات تأثير علاجي رائع على امل دعم النساء اللواتي اختبرن هذه التجربة أيضاً.