تم تشخيص إصابتي بالسكري. كيف يمكن أن تساعدني التمارين الرياضية على تحسين حالتي؟

لا ينطوي داء السكّري على عَرَضٍ واحد فقط، بل هو في حقيقته مجموعة من الأعراض الاستقلابية التي تتقاسم فيما بينها سمةً مُحدّدة تتمثّل في عدم قدرة الجسم على التحكّم بمُستويات نسبة السكّر في الدمّ. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من داء السكّري وهي: داء السكّري من النوع الأول، وداء السكّري من النوع الثاني، وداء سكّري الحمل (يتعلّق بالحمل). أمّا في ما يخصّ عوامل الخطر (احتمالات الإصابة بالداء)، ومُتوسّط سنّ الإصابة بالداء، وأساليب العلاج المُتبعة، فتختلف حسب نوع داء السكّري، إلّا أنَّ الشيء الوحيد المُشترك بينها جميعاً والذي لا شكّ في فائدته للمرضى المُصابين به أياً كان نوع داء السكّري فهو مُمارسة التمارين الرياضية بانتظامٍ.

وفي هذا السياق، نجد أنَّ مُعظم الدراسات العلمية التي تفحّصت منافع التمارين الرياضية وعلاقتها بتدبير السكرّي شملت ببحثها التمارين الرياضية الهوائية و/أو تمارين المُقاومة. وتعني التمارين الرياضية الهوائية إجراء حركاتٍ مُتكررة باستمرار عبر استخدام جُملة العضلات الكبيرة. وتتفاوت حدّة هذه التمارين الهوائية من مُعتدلة إلى شديدة، كما يُطلق عليها أحياناً تمارين “تدريب القلب” (cardio training). أمّا تمارين المُقاومة، فهي تدريب مُخصص لبناء قوّة الجسد. وتعود تسمية هذه التمارين بتمارين المُقاومة لاستخدامها أحد أشكال المُقاومة (من خلال استخدام أوزانٍ حرّة -أي ليست آلاتً رياضية- أو أحزمة الشدّ، أو مُجرّد الاعتماد على وزن جسم المرء نفسه) وذلك بغية حثّ العضلات على التقلّص. وبالعودة للدراسات، أثبتت العديد منها أنَّ إجراء تمارين التمدّد ومُمارسة الأنشطة المُنتمية لليوغا المُنتظم مُفيد جداً

داء السكّري من النوع الأول

عادةً ما يُشخَّص داء السكّري من النوع الأول (T1DM) أثناء مرحلة الطفولة. حيث يكتشف الأطبّاء أنَّ جسم المريض عاجز عن إنتاج الأنسولين ومن ثَمّ فإنَّ المصابين بالداء بحاجة إلى أخذ حقن أنسولين يومياً بغية ضبط مُستويات السكّر في دمائهم. وحتّى الوقت الحالي، ما من علاجٍ لداء السكّري من النوع الأول، لذلك حتّى لو قام المريض بتغيير نمط حياته مثل مُمارسة التمارين الرياضية بانتظام، لن يُشفى من الداء. ومع ذلك لا شك في أنَّ النشاط البدني المُنتظم له فوائد جمّة على صحّة المرء بشكلٍ عام. 

حيث تُشير الدراسات إلى أنَّ مُمارسة التمارين الرياضية المُعتدلة بانتظام له عظيم الأثر في ضبط غلوكوز الدمّ لدى مرضى داء السكّري الحاد والمُزمن. ومع أنّه ليس بين أيدينا ما يكفي من الدراسات العلمية التي تُحدد لنا بدقّة النوع النموذجي من التمارين الرياضية الذي يُساعد على تدبير داء السكّري من النوع الأول؛ إلّا أنَّ التمارين الرياضية الهوائية أثبتت أنَّ لها أثراً إيجابياً في تحسين اللياقة القلبية التنفّسية وتقليل مُقاومة الأنسولين. ومن ناحية أخرى، حريّ بالذكر أنَّ الأشخاص المُصابين بداء السكّري مُعرّضون لخطر الإصابة بنقص نسبة السكّر في الدمّ؛ وهنا تبرز فائدة التمارين الرياضية الشديدة حيث تُشير الدراسات إلى أنّها في حال تم ممارستها لفترات وجيزة من الزمن من شأنها تقليل هذه المخاطر. كما تُشير الأبحاث أيضاً إلى انخفاض عام في مُعدّل الوفيات بين المرضى الذين يُمارسون النشاطات البدنية بانتظامٍ. هذا في ما يخصّ التمارين الرياضية الهوائية؛ أمّا في ما يخصّ تمارين المُقاومة، فالبيانات العلمية التي في مُتناولنا أقلّ دقّة. حيث تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ مُمارسة تمارين المُقاومة مع التمارين الهوائية، من الراجح أن يكون له أثر نافع على الصحّة، إلّا أنَّ هذه المعلومة تفتقر إلى مزيد من الأدلّة العلميّة الداعمة لها.

يُرجى الانتباه إلى أنّه ينبغي على المرضى المُصابين بداء السكّري من النوع الأول مُراقبة مُستويات السكّر في دمائهم قبل التمرين وبعده. وبهذا الصدد، لاحظ العُلماء أنَّ مُعظم الآثار الإيجابية للتمارين، تبرز للعيان في حال مارسها المريض في الفترة التي توافق بعد تناول الطعام (أي بعد نحو ساعة إلى ثلاث ساعات من تناول إحدى الوجبات). وفي هذا السياق، ينبغي الانتباه إلى أنّه في حال انخفضت مُستويات السكّر في الدمّ عن 100 ملغ / ديسيلتر أو ارتفعت فوق 250 ملغ / ديسيلتر، يُصبح المريض بحاجة إلى مزيد من الاعتناء والرعاية، ويستلزم الأمر ضبطاً لمُستويات السكّر في الدمّ قبل الشروع في التمارين الرياضية. 

داء السكّري من النوع الثاني

يُعَدُّ داء السكّري من النوع الثاني الذي يُعرف أيضاً بمرض البول السكّري (T2DM) أكثر انتشاراً وشيوعاً من داء السكّري من النوع الأول، حيث يُشخَّص المريض بالنوع الثاني من داء السكّري عندما يُواجه جسمه صُعوبة في إنتاج كميّة كافية من الأنسولين، أو عندما تفشل خلايا الجسم في الاستجابة بشكلٍ صحيح للهرمون. وتُعرف الحالة الثانية بمُقاومة الأنسولين، وتشمل عوامل الخطر التالية: العمر، والجينات، ومُؤشّر كتلة جسم مُرتفع، حيث يتم تشخيص مُعظم الأشخاص بمُقاومة الأنسولين في مُنتصف العمر. كما يُؤدّي ارتفاع مُعدّلات البدانة في الدول المُتقدّمة إلى زيادة كبيرة في حالات الإصابة بداء السكّري من النوع الثاني. كذلك، إنَّ مُتلازمة المبيض المُتعدد الكيسات، وهي أحد أمراض غدد الصمّ الأكثر شيوعاً التي تُصيب النساء في سنّ الإنجاب، تزيد بشكلٍ كبير من خطر إصابة النساء بداء السكّري من النوع الثاني. وترتبط مُتلازمة المبيض المُتعدد الكيسات ارتباطاً وثيقاً بالبدانة ومُقاومة الأنسولين، ما يعني أنَّ فقدان الوزن عبر مُمارسة الرياضة سيُساعدكِ على التحكّم بهذه الحالة، فضلاً عن تقليص خطر إصابتكِ بداء السكّري من النوع الثاني. ومع أنَّ الأدوية تُساهم بالفعل في ضبط أعراض داء السكّري من النوع الثاني، إلّا أنَّ مُعظم الأطبّاء يُشجّعون مرضاهم على القيام بتغييرات في نمط حياتهم تُساعدهم على تدبير حالتهم. وتُشير بعض الدراسات أيضاً إلى أنَّ فقدان الوزن بشكلٍ كبير يُخفّف كثيراً من وطأة المرض عليه بصورة يُصبح فيها الداء ذو أثر هامشيّ في حياته.  

ومن ناحية أخرى، أظهرت الدراسات أنَّ مُمارسة التمارين الهوائية، أو تمارين المُقاومة، أو المزج بينهما، ذات أثر يتراوح من طفيف إلى مُتوسّط المنفعة على ضبط الغلوكوز في الدمّ. وهذه المنافع المُكتسبة تزداد في حال اتبع المريض أو المريضة أسلوباً يجمع بين هذين النوعين من التمارين. وبهذا الصدد، يُوصي الخُبراء بالقيام بما لا يقلّ عن 30 دقيقة من التمارين الهوائية كلّ يوم وذلك لتعزيز مُقاومة الأنسولين، والقيام بما يتراوح من جلستين إلى ثلاث جلسات من تمارين المُقاومة كلّ أسبوعٍ، في أيام غير مُتتالية.

ويُعاني الأشخاص الذين تمَّ تشخيصهم بحالة “ما قبل الإصابة بداء السكّري” من مُستويات سكّر مُرتفعة في الدمّ تزيد عن المُعدّل الطبيعي، ويكونون مُعرّضين جدًا لخطر الإصابة بداء السكّري من النوع الثاني. وقد أظهرت الدراسات أنّه لو يُمارس هؤلاء الذين شُخّصت حالتهم بأنّها حالة “ما قبل الإصابة بداء السكّري” 150 دقيقة من النشاطات البدنية أسبوعياً، بالتزامن مع اتّباع نظام غذائي مُناسب، يقلّ خطر إصابتهم بداء السكّري من النوع الثاني بنسبة 40 إلى 70%.  

داء سكّري الحمل

 داء سكّري الحمل ويُرمز له بـ(GDM): عادةً ما يُشخَّص هذا المرض في فترة ما بين الشهر الـ24 والـ28 من الحمل. وقد اكتشف العُلماء أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الزيادة الكبيرة في الوزن أثناء الحمل وقلّة النشاط من جهة وارتفاع خطر الإصابة بداء سكّري الحمل من جهة أخرى. ومن الطبيعي جداً أن يتراجع نشاط المرأة أثناء الحمل إذ قد تُؤثّر التغيّرات الهرمونية الطبيعية أثناء الحمل على مُستويات الطاقة، وقوّة العضلات، والمزاج. ومع تطوّر الحمل، يبدأ الرحم والجنين بالنمو ما يُكسبكِ وزناً إضافياً ويضغط على أعضاء الجسم، وهذا يُمكنه أن يحدّ من التمارين التي تستطيع المرأة مُمارستها براحة. ولكن نجد بعض الأدلّة التي تُظهر أنَّ مُمارسة الرياضة المُعتدلة مثل المشي، أو اليوغا، أو السباحة، قد تكون مُفيدة لكِ؛ ويُمكن أن تُساعدكِ مُمارسة هذه التمارين في المراحل الأولى من حملكِ على تقليص خطر إصابتكِ بسكّري الحمل. ويُعَدُّ داء سكّري الحمل مرضاً خطراً على صحّة المرأة الحامل وكذلك جنينها، لذلك لا بد من اتّباع تدابير وقائية منذ الأشهر الأولى من حمل المرأة. فضلًا عن هذا، تُعَدُّ النساء المُصابات بداء سكّري الحمل أكثر عُرضة للإصابة بداء السكّري من النوع الثاني، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار تغيير نمط الحياة على المدى الطويل بعد فترة الحمل.

وبهذا الصدد، يُوصي الأطبّاء بأن تُمارس النساء الحوامل ما يتراوح بين 20 إلى 30 دقيقة من التمارين الرياضية مُعتدلة الشدّة بوتيرة يومية. ولأننا نتحدّث عن نساءٍ حوامل، من الواضح تماماً أنّه لا تصلح لهنَّ جميع أنواع التمارين؛ على سبيل المثال ينبغي عليهنَّ تجنّب التمارين الرياضية التي تنطوي على اصطدامات وتلك التي تنطوي على خطر السقوط. ومع ذلك يُوصي الخُبراء بشدّة بمُمارسة النساء الحوامل للنشاطات البدنية الترفيهية. وفي هذا السياق، لا خوف على الحامل من مُمارسة تمارين المُقاومة والتمارين الهوائية، ولكن ينبغي عليها تجنّب التعرّض لفترات طويلة من ارتفاع الحرارة أو الفقدان المُفرط للسوائل عبر التعرّق.

فوائد مُمارسة الرياضة على المدى الطويل

كما ذكرنا أعلاه، يُمكن أن يُساعد فقدان الوزن عبر مُمارسة الرياضة واتّباع نظام غذائي مُتوازن على تحسين نوعيّة الحياة اليومية لمرضى السكّري. كذلك، قد يكون له أثرٌ إيجابيٌّ على صحّة المرضى على المدى الطويل، كما يُمكن أن يُقلّص من خطر إصابتهم بمُضاعفات مُرتبطة بداء السكّري في المُستقبل.  

ويكون المُصابون بداء السكّري أكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، عبر آليات غير مفهومة جيداً بعد. وقد أظهر عدد من الدراسات أنَّ مُمارسة الرياضة بوتيرة أعلى يُخفّف من خطر الإصابة بأمراض القلب. وكنتيجة مُباشرة لذلك، تُوصي الجمعيّة الأمريكية للسكّري (ADA) وبرنامج الوقاية من مرض السكّري (DPP) بمُمارسة الرياضة كوسيلة لتدبير أمراض القلب الناتجة عن داء السكّري والوقاية منها.

الخلاصة 

ما من شكٍ أنَّ التمارين الرياضية لها فوائد جمّة ومنافع كثيرة على صحّة المرء؛ إذ تُخفّض نِسَب السكّر في الدمّ، وترفع نسبة استجابة الجسم تجاه الأنسولين، مما يعني أنّها وسيلةٌ مُمتازة ضمن خطّة تدبير داء السكّري. ولا تقتصر فوائد التمارين الرياضية على هذا فحسب، بل تُعَدُّ كذلك وسيلة طبيعية فعّالة لفقدان الوزن وتحسين المزاج وتخفيف القلق والضغوطات النفسية؛ مما يُؤدّي إلى تحسين جودة الحياة إجمالاً لا سيما لدى أولئك المرضى المُصابين بنوع مُزمن من داء السكّري لا شفاء له حالياً. 

وبهذا الصدد، يُشير الأطبّاء إلى أنَّ مُمارسة المُصابين بداء السكّري من النوع الأول للنشاطات البدنية بانتظام يُحسّن صحّتهم. كما أنَّ الأطبّاء يُوصون بمُمارسة التمارين الرياضية وذلك لتجنّب، أو على الأقلّ تأخير، الإصابة بداء السكّري من النوع الثاني لا سيما لدى أولئك الأشخاص المُعرّضين بشدّة للإصابة به، ومن بينهم النساء المُصابات بسكّري الحمل. من هنا، نخلُص إلى أنَّ إدراج التمارين الرياضية في خطّة علاج داء السكّري وتدبيره، أياً كان نوعه، أمرٌ مُستحسن بل ومُوصى به بشدّة.

تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.

تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم.   

المصدر: 

  • Colberg, Sheri R., et al. “Physical Activity/Exercise and Diabetes: A Position Statement of the American Diabetes Association.” Diabetes Care, vol. 39, no. 11, Nov. 2016, pp. 2065–2079., doi:10.2337/dc16-1728.
  • “Exercising with Gestational Diabetes.” Diabetes.co.uk, 12 Nov. 2019, www.diabetes.co.uk/gestational-diabetes/exercising-with-gestational-diabetes.html.
  • Harvard Health Publishing. “The Importance of Exercise When You Have Diabetes.” Harvard Health, https://www.health.harvard.edu/staying-healthy/the-importance-of-exercise-when-you-have-diabetes.
  • Helmrich, Susan P., et al. “Physical Activity and Reduced Occurrence of Non-Insulin-Dependent Diabetes Mellitus.” New England Journal of Medicine, vol. 325, no. 3, 18 July 1991, pp. 147–152., doi:10.1056/nejm199107183250302.
  • Lew, Jason Kar Sheng, et al. “Exercise Mediated Protection of Diabetic Heart through Modulation of MicroRNA Mediated Molecular Pathways.” Cardiovascular Diabetology, vol. 16, no. 1, 13 Jan. 2017, doi:10.1186/s12933-016-0484-4.
  • Mccombie, Louise, et al. “Beating Type 2 Diabetes into Remission.” Bmj, vol. 358, 13 Sept. 2017, doi:10.1136/bmj.j4030.
  • Padayachee, Cliantha, and J S Coombes. “Exercise Guidelines for Gestational Diabetes Mellitus.” World Journal of Diabetes, vol. 6, no. 8, 25 July 2015, pp. 1033–1044., doi:10.4239/wjd.v6.i8.1033.
  • Snowling, N. J., and W. G. Hopkins. “Effects of Different Modes of Exercise Training on Glucose Control and Risk Factors for Complications in Type 2 Diabetic Patients: A Meta-Analysis.” Diabetes Care, vol. 29, no. 11, Nov. 2006, pp. 2518–2527., doi:10.2337/dc06-1317.
  • Tonoli, Cajsa, et al. “Effects of Different Types of Acute and Chronic (Training) Exercise on Glycaemic Control in Type 1 Diabetes Mellitus.” Sports Medicine, vol. 42, no. 12, 1 Dec. 2012, pp. 1059–1080., doi:10.2165/11635380-000000000-00000.
  • “What Is Diabetes?” National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases, U.S. Department of Health and Human Services, 1 Dec. 2016, https://www.niddk.nih.gov/health-information/diabetes/overview/what-is-diabetes.