لماذا تتزايد معدلات الوفيات لدى الأمهات في كينيا؟
أصبحت صحّة الأمّهات مصدر قلق كبير في جميع أنحاء العالم. في العام 2017، شاركتُ في مشروعٍ يتعلّق بصحّة الأمّهات في مُقاطعة نايفاشا الفرعية في كينيا. وقد وضعت حكومة كينيا سياسة رعاية صحية مجانية للأمّهات في المُستشفيات الحكومية. لقد كان هذا الأمر بداية جيدة في الأول ولكن أدّى ذلك فيما بعد إلى زيادة مُعدّل وفيّات الأمّهات أثناء الولادة والأطفال قبل وبعد الولادة.
قررت حكومة كينيا القيام بدراسة استطلاعية في مُختلف مُقاطعات كينيا لجمع بيانات حول سبب ارتفاع مُعدّل الوفيّات. وقد قامت الحكومة بجمع بيانات حول الولادات في عدد من المُستشفيات الحكومية عن طريق السجّلات. وتبيّن أنَّ مُعظم الأمّهات توقّفنَّ عن إنجاب أطفالهنّ في المنزل بالاستعانة بالقابلة مما سبب نوع من الاكتظاظ في المُستشفيات.
وأظهرت البيانات التي تمَّ جمعها أنَّ عدد الموظّفين الذين يعملون في أقسام الولادة في المُستشفيات ليس كافٍ للاهتمام بجميع الأمّهات اللواتي سجلن دخولهن. لذلك، قامت الحكومة بإنشاء بطاقات تأمين تُغطّي تكاليف الولادة في أي مُستشفى سواء كان حكومياً أم خاصاً. وبدأت الكثير من النساء باستخدام هذه البطاقات في المُستشفيات الخاصة إلّا أنّهنَّ توقّفنَّ عن ذلك فيما بعد.
انضممتُ إلى فريق مُختص بصحّة الأمّهات في مُستشفى كيجابي للقيام بأبحاث عن سبب توقّف الأمّهات عن الذهاب إلى المُستشفيات الخاصة. قمنا بزيارة عدد من المُستشفيات وتبيّن لنا أنَّ مُعظم المُستشفيات الخاصة فارغة فيما تشهد المُستشفيات الحكومية اكتظاظاً كبيراً. لذلك، بدأنا بإنشاء مجموعات تركيز في المُستشفيات الخاصة والحكومية على حد سواء في مُقاطعة نايفاشا الفرعية.
تتألّف مُقاطعة نايفاشا الفرعية من قبائل كينيّة مُختلفة، ما سيسمح لنا بتغطية مُعظم المُجتمعات ذات الثقافات المُختلفة الموجودة في كينيا. وقمنا على مدى أشهرٍ بزيارة مُختلف المُجتمعات والمُستشفيات للحصول على أجوبة من الأمّهات بأنفسهنّ.
تعرّفنا على مجموعة من نساء قبيلة الماساي وتحدّثنَّ معهنَّ أكثر عن تنظيم الأسرة. وكانت تُعارض النساء هناك فكرة تنظيم الأسرة وأخبرننا أنّهنَّ لا يثقن بالثقافة الغربية وقالت بعض النساء إنَّ أزواجهنَّ يُعارضون فكرة تنظيم الأسرة. حتّى أنَّ البعض منهنّ قُمنَ بطردنا وأخبرننا أنّه يجب أن نطلب الإذن من شيوخ القبيلة قبل التحدّث معهنّ بموضوعٍ كهذا.
قررنا فيما بعد القيام بحلقة نقاش جماعية في المُستشفى الذي تأتي إليه بعض نساء قبيلة الماساي للحصول على رعاية صحية قبل الولادة. التقينا بالمجموعة الأولى من النساء في مُستشفى ماي ماهيو الحكومي. وكانت تضمُّ هذه المجموعة مزيجاً من القبائل ولكن كنّا محظوظين بلقاء عددٍ من نساء قبيلة الماساي. وخلال حلقة النقاش التي أعدّتها مجموعة التركيز، قمنا بطرح بعض الأسئلة، ففتحت هؤلاء النساء لنا قلوبهنّ وأخبرننا عن مخاوفهنّ.
بدأنا حلقة النقاش بالسؤال عن سبب ذهابهنّ إلى المُستشفيات الحكومية فيما أنَّ مُعظم المُستشفيات الخاصة هي أيضاً مجانية. أجابت بعض النساء أنّهنَّ غير مُقتنعات تماماً بأنَّ المُستشفيات الخاصة هي فعلاً مجانية، إذ يُطلَبُ من بعض النساء أثناء الولادة دفع تكاليف إضافية للوجبات الغذائية والماء. وأضافت بعض الأمّهات أنَّ الموظّفين في المُستشفى قالوا لهنَّ إنَّ الحكومة تُغطّي فقط التكاليف الطبية وليس الطعام أو الكهرباء أو الماء. وكان ذلك من أحد المخاوف لدى هؤلاء النساء التي تمَّ التطرّق إليها خلال أول حلقة نقاش لنا.
وتحدّثنا خلال هذا النقاش عن تنظيم الأسرة. وبرأيي، قد يعود سبب اكتظاظ المُستشفيات إلى عدم تنظيم الأسرة لدى الكثير من النساء. وقد أخبرتنا بعض النساء أنهنَّ يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة ولكن يُصبحن حاملاً على الرغم من ذلك. وقد شرحت لنا بعض الأمّهات أكثر عن الأدوية المُتوفّرة وأنّها تكون إمّا مُنتهية الصلاحية أو غير أصلية.
وتحدّثنا أيضاً إلى أمّهات من قبيلة الماساي واضطررنا إلى إحضار مُترجمٍ إذ لا يتكلّم أحدٌ من فريقي اللغة. وشرحت لنا هؤلاء النساء عن المُعتقد الثقافي لديهنَّ حيث أنَّ الله هو الذي يخلق الأطفال وأنَّ الكتاب المُقدّس يدعو إلى التناسل. وطلبت منّا النساء عدم التحدّث عن هذا الموضوع مُجدداً لذا اضطررنا إلى التوقّف وتغيير الموضوع.
أنهينا النقاش وسمحنا للنساء بالمُغادرة. كان لا يزال لدينا أسئلة حول تنظيم الأسرة ولكن كنّا نُدرك تماماً أنّه يجب تأجيل هذا الموضوع إلى يومٍ آخر. قررنا زيارة مُستشفيات أخرى في محيط مُقاطعة نايفاشا الفرعية، ولكن حصلنا من الأمّهات هناك على نفس الأجوبة.
وبعد مرور بضعة أشهر على إجراء العديد من حلقات النقاش الجماعية، قمنا بزيارة مُستشفى الإحالة في نايفاشا. وكان هذا المُستشفى من ضمن المُستشفيات الأكثر اكتظاظاً في المنطقة ولم نكن مُتأكّدين من السبب وراء ذلك علماً أنَّ مُستشفى كيجابي، وهو أحد فروعنا، يقع في نفس المنطقة.
كانت في انتظارنا في المُستشفى مجموعة مُؤلّفة من 15 امرأة للتحدّث معنا. ولحسن حظّنا أيضاً، وافق بعض مُقدّمو الرعاية الصحية على المُشاركة في النقاش. وكانت للأمّهات هنا آراء مُختلفة حول المواضيع المطروحة. وفي ما يتعلّق بتنظيم الأسرة، أخبرتنا بعض النساء أنّهنَّ يستخدمن وسائل منع الحمل فيما اعتبر البعض الآخر أنَّ ديانتهنّ تُحرّم ذلك.
لم نتعمّق أكثر في هذا الموضوع وبدأنا بالتحدّث عن الموضوع التالي. فهنا، تهتم النساء أكثر بخبرات طاقم العمل المُختص بالرعاية الصحية كما أنّهنَّ يُدركنَّ أنَّ المُستشفيات الحكومية هي المكان الوحيد لإيجاد أفضل الأطبّاء. وقد أخبرتنا الأمّهات أنَّ مُعظم المُستشفيات الخاصة لم يكن لديها غرفة عمليات أو طبيب مُتوفّر في وقتٍ مُحدد لإجراء أي عملية جراحية في حالات الطوارئ. كذلك، أخبرننا عن رغبتهنّ في التواجد بالقرب من غرفة العمليات في حال حدوث أي مُضاعفات.
بالإضافة إلى ذلك، أخبرنا مُقدّمو الرعاية الصحية أنَّ الأعداد تفوق طاقتهم وبالتالي، لا يستطيعون الاهتمام بجميع الأمّهات. فعلى سبيل المثال، ربّما بعد الانتهاء من المريضة الأولى والانتقال إلى المريضة التالية، تكون هذه الأخيرة قد قامت بإنجاب طفلها بنفسها.
وقد أخبرتنا هؤلاء الأمّهات أيضاً أنّهنَّ اضطررن إلى إنجاب أطفالهنّ على الأرض من دون أي مُراقبة وكان يتم تشارك الأسرّة في الأجنحة ما دفع بعض الحوامل إلى مُساعدة هؤلاء النساء على الإنجاب. وتعرّفنا أيضاً على بعض الأمّهات اللواتي اختبرن هذه التجربة في المُستشفى الحكومي ولكن عُدنَ إليه مُجدداً على الرغم من ذلك لأنّه يضمُّ خُبراء في مجال الرعاية الطبية.
ولكن نحن نعرف أنَّ الموضوعَ مُرتبطٌ بشكلٍ أساسي بالآلات وغُرف العمليات المُتوفّرة في المُستشفى. وكانت الأمّهات على حقّ، من الأفضل أن تتواجدي في بيئة آمنة عوضاً عن التواجد في بيئة أقل اكتظاظاً ولكن لا تشعرين فيها بالأمان.