تمّ تَشخيص طفلي حديث الولادة بِنَقص إنزيم نازعة هيدروجين (ديهيدروجيناز) الغلوكوز 6 فوسفات، فماذا يعني ذلك؟

يُعتَبَر نقص نازعة هيدروجين (ديهيدروجيناز) الغلوكوز 6 فوسفات أحد أكثر حالات نقص الإنزيم شيوعاً في جميع أنحاء العالم، حيث يُؤثّر على ما يَصِل إلى 400 مليون شخص على مستوى العالم. إذاً ما هو؟ من يكون الأكثر عُرضة لخطر المعاناة منه؟ ما هي أعراضه وكيف سَيُؤثّر على الطفل مع نموّه؟

ما الذي يُسَبّب نَقصاً في نازعة هيدروجين (ديهيدروجيناز) الغلوكوز 6 فوسفات؟

يُعتَقَد أنّ هناك أكثر من 400 طفرة يُمكِن أن تُؤدّي إلى نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات. حيث تُسَبّب الطفرات الجينية المُختَلِفة مستويات مُختَلِفة من نقص الإنزيم، إلّا أنّه يَتَعارَض النقص الكلّي في الإنزيم مع استمرارية الحياة، لذلك، يَحتَفِظ الجميع ببعض النشاط الأنزيمي على الأقل. قامَت منظمة الصحة العالمية (WHO) بتَجميع المُتَغيّرات الجينية المختلفة في فئات وفقاً لشدّة الطفرة:

  • الفئة الأولى – شديدة. انحلال الدم المزمن في غياب أيّ مُسَبّب (مُحَفّز).
  • الفئة الثانية – شديدة. نشاط الإنزيم < 10%. انحلال الدم المُتَقطّع.
  • الفئة الثالثة – مُعتَدِلة. نشاط الإنزيم 10-60%. يَحدُث انحلال الدم بعد التعرّض لعامل مُحَفّز.
  • الفئة الرابعة – تتراوح بين خفيفة إلى انعدام وجود نقص في الإنزيم. نشاط الإنزيم 60-150%.
  • الفئة الخامسة – لا يوجد نقص. نشاط الإنزيم > 150%.

تُعتَبَر كل من الفئتين الرابعة والخامسة نادرتين جداً، أما الفئة الأولى فغير شائعة وأقلّ احتمالاً لأن تَكون خاصة بمجموعات سكانية مُحدّدة. تَتَغيّر الفئة الثانية والثالثة حسب الموقع الجغرافي الذي يَعيش فيه الشخص. فأولئك الذين يَعيشون في أفريقيا وآسيا وأجزاء مُعيّنة من البحر الأبيض المُتوسّط ​​والشرق الأوسط هم أَكثَر عرضة للمعاناة من نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات. في بعض الفئات المُعَرّضة للمعاناة من هذه الحالة بشكل كبير، يَتَأثّر ما بين 5 و30% من الناس. مازالت أسباب الاختلافات الإقليمية غير مفهومة تماماً، إلّا أنّ انتشار الحالة يَرتَبِط ارتباطاً وثيقاً بالتوزيع الجغرافي للملاريا. حتى أنّه يُعتَقَد أنّ أولئك الذين يُعانون من نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات مُعَرّضون لخطر الإصابة بالملاريا.

تَرتَبِط طفرات نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات بالكروموزوم X، ممّا يَعني أنّه من المُرَجّح ظهور الأعراض المظهرية للحالة عند الذكور أكثر من الإناث. وذلك لأنّ الذكور لديهم كروموزوم X واحد فقط، أمّا الإناث فلديهم كروموزومين X، لذلك، غالباً ما يُعانين من فئة أكثر اعتدالاً، أو يَكُنّ حاملات لهذه الحالة. من النادر جداً أن تَحمِل الإناث طفرة على كلا كروموزومي X الخاصة بهنّ، وهذا عادةً ما يَتَرافَق مع حالة مناعية إضافية.

متى يجب التفكير في إجراء فحص للكشف عن طفرات نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات

لا يتم مُلاحظة جميع حالات نقص نازعة هيدروجين (ديهيدروجيناز) الغلوكوز 6 فوسفات عند الولادة، وفي بعض الدول، لا يكون هذا الفحص مُوحّداً. وبالإضافة إلى التباين الجغرافي واختلاف جنس الطفل، يَزداد خطر إصابة الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من فقر الدم (أنيميا) أو اليرقان أو تَضَخّم الطحال أو تَحَصّ صفراوي (حصوات المرارة) بطفرات نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات. كما أنّ وجود رد فعل انحلالي واضح لعامل مُحَفّز مَعروف قد يَدفَع الطبيب إلى التفكير في إجراء فحص لتشخيص  نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات، حتّى من دون وجود تاريخ عائلي من هذا المرض. 

ماذا يعني النقص؟

يُشارِك الإنزيم نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات الموجود في جميع خلايا الجسم في إنتاج إنزيم آخر يُسمّى فوسفات ثنائي نوكليوتيد الأدنين والنيكوتيناميد NADPH والذي له دور وقائي في جميع أنحاء الجسم. حيث يَحمي خلايا الجسم من الضرر التأكسدي. لذلك، فإنّ انخفاض نشاط نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات يَعني أنّه يتم إنتاج كمية أقل من فوسفات ثنائي نوكليوتيد الأدنين والنيكوتيناميد، ممّا يعني أنّ الخلايا التي يَحميها هذا الإنزيم بشكل طبيعي تُصبِح أكثر عرضة للتلف. يَستَطيع الجسم تعويض نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات في معظم الخلايا، إلّا أنّ خلايا الدم الحمراء مُعرّضة بشكلٍ خاص للتلف والفساد.؛ ليس فقط لأنّها تنقل الأكسجين ما يجعلها أكثر عُرضة للضرر التأكسدي بل أيضاً لأنَّ إنزيم G6PD/NADPH هو الطريق الوحيد لتزويد خلايا الدمّ الحمراء بالجلوتاثيون الذي يحميها من الضرر التأكسدي.   

تُنقَل خلايا الدم الحمراء الأكسجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم. إذا تمّ إتلاف خلايا الدم الحمراء بشكل أسرع من قدرة الجسم على تعويضها، يتم إطلاق الهيموغلوبين في الدم. تُسمّى هذه الحالة طبياً انحلال الدم.

لا تَتَرافَق هذه الحالة مع ظهور للأعراض عند كثير من الناس الذين يُعانون من نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات. في الواقع، قد يَكون الناس في أجزاء مُعَيّنة من العالم غير مُدركين أنّهم يُعانون من هذا النقص. الطفرة الجينية لوحدها غير كافية للتسبّب في انحلال الدم، ولن تَحدُث نوبة شديدة إلّا مع التعرّض لمُحَفّز مُعَيّن. في أجزاء من العالم حيث يَكون نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات أقل شيوعاً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، فإنّ إجراء الاختبار بحثاً عن الطفرات في هذا الجين لا يُشَكّل جزءاً من الفحص الروتيني لحديثي الولادة. إلّا أنّ منظمة الصحة العالمية قد أَوصَت بدمجه في الفحص المعياري التقييمي للأطفال الذين يولدون في مجموعات سكانية يكون مُعدّل انتشار الحالة فيها 3-5%. يَقَع الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن هذه الفئة.

العوامل المُحفّزة للانحلال

لا يُوجد علاج لنقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات، ولكن الوعي مهم، بحيث يُمكِن تَجَنّب العوامل التي قد تُحَفّز حدوث الانحلال. هناك ثلاثة عوامل مُحفّزة رئيسة يُمكِن أن يكون لها تأثير ضار على الأشخاص الذين يُعانون من نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات:

  1. الإصابة بالتهاب أو عدوى ما. يُعتَبَر هذا السبب الأكثر شيوعاً لانحلال الدم الحاد. حيث تَكون الإصابات التي من المُحتَمَل أن تُؤدّي إلى انحلال الدم الحاد هي السالمونيلا والإشريكية القولونية والعقديات والالتهاب الكبدي الفيروسي والأنفلونزا A. مازالت آلية تأثير هذه الإصابات غير واضحة، لكن يُعتَقَد أنّها تَرجِع جزئياً إلى العوامل المُعدِية ممّا يُسَبّب تراكم خلايا الكريات البيضاء وبالتالي يؤدي إلى إجهاد تأكسدي.
  2. الأدوية. هناك مجموعة واسعة من الأدوية التي يُمكِن أن تؤدي إلى انحلال الدم عند المصابين بنقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات، منها الأدوية المضادة للملاريا والمسكّنات وخافضات الحرارة ومضادات الجراثيم والبكتيريا. إلّا أنّه هناك بعض الالتباس في ما يَتَعلّق بما إذا كان في بعض حالات انحلال الدم التي تَنشَأ بسبب الدواء أو بسبب الإصابة الكامنة التي تم وصف الدواء لها. يَحدُث انحلال الدم الناتج عن تناول دواء مُحفّز للانحلال بعد 24-72 ساعة. وعادةً ما تُعالَج الحالة لوحدها خلال 4 – 7 أيام. من العوامل المهمة التي يجب مراعاتها إذا تم تشخيص معاناة طفلك من نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات أنّه يُمكِن أن تَنتَقِل أنواع مُعيّنة من الأدوية عبر حليب الثدي، ممّا قد يؤدّي إلى انحلال الدم الحاد عند الرضع المُعرّضين لهذا الخطر. لذلك، يَجدُر بكِ مناقشة خطر الأدوية مع طبيبك قبل تناول أيّ منها.
  3. حبوب الفول. يَحدُث الفوال كَرَد فعل عند تناول حبوب الفول، كان يُعتَقَد في البداية أنّه رد فعل تَحَسّسي ولكن أَصبَح من المعروف الآن أنّه عامل مُحَفّز آخر لحالات نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات. هناك نوعان من المواد الكيميائية الموجودة في الفول هما فيسين (غليكوزيد من الفول) وكونفيسين، واللتان من المعروف أنّهما تُسَبّبان الإجهاد التأكسدي. لن يُبدي جميع الأشخاص الذين يعانون من نقص نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات تَفاعلاً مع تناول الفول، ولكن الأطفال الصغار مُعرّضون للخطر بشكل خاص حيث تكون الآثار عادة أكثر حدّة عند الأطفال. قد تَشمُل الأعراض الأولية للحالة؛ ارتفاع درجة الحرارة والتهيّج والخمول، ثم تَتَطوّر إلى الغثيان والشعور بالانزعاج في البطن وطرح بول داكن وشحوب الجلد واليرقان. في الحالات الشديدة للغاية، قد يُعاني الطفل من عدم انتظام وتسارع في نبض القلب.

خيارات العلاج لأعراض نَقص إنزيم نازعة هيدروجين (ديهيدروجيناز) الغلوكوز 6 فوسفات

يلعب الطحال دوراً أساسياً في تنقية خلايا الدمّ الحمراء المُتضررة التي يُمكن أن تُؤدّي أحياناً إلى تضخّم الطحال (ازدياد حجم الطحال). ولكن، نادراً ما يُنصح بإجراء عملية استئصال الطحال (إزالة الطحال) للأشخاص المُصابين بنقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات لأنَّ عدداً قليلاً فقط يُعاني من النوع الشديد لهذا المرض. وقد تُساعد مُكمّلات حمض الفوليك والحديد أثناء حدوث حالات الانحلال. لحسن الحظ، فإنّ مُعظَم حالات انحلال الدم الحاد تكون محدودة ذاتياً وقصيرة الأمد.

قد تكون هناك حاجة إلى نقل الدم في حالات نادرة، إلّا أنّ هذا لن يكون ضرورياً إلّا في حالة المصابين بانحلال الدم المزمن. ففي الحالة المزمنة، لا يلزم وجود عامل مُحفّز ويَحدُث انحلال الدم أثناء الاستقلاب الطبيعي لخلايا الدم الحمراء. من المهم تَجَنّب المضاعفات في حالات انحلال الدم المزمن لأنّ هذه الحالات يمكن أن تُؤدّي إلى صدمة نقص حجم الدم (فقدان شديد في الدم والسوائل) وفشل كلوي حاد.

الأشخاص الذين يُعانون من نقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات لديهم استعداد للإصابة بتسمّم أو إنتان ما، لذا يجب مراقبة الأعراض وتَجَنّب العوامل المُحفّزة قدر الإمكان.

العلاقة بين  طفرات نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات وفرط بيليروبين الدمّ الوليدي

يَزداد خطر تَعَرّض الأطفال الذكور الذين لديهم طفرة في جين نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات بضعفين لفرط بيليروبين الدم الوليدي. يَحدُث هذا عندما يكون هناك فائض من البيليروبين في الدم. يَتَكوّن البيليروبين من تَحَطّم خلايا الدم الحمراء. مازال سَبَب تراكم البيليروبين غير واضح، لكن من المحتمل أن يَكون سَبَب ذلك جزئياً على الأقل هو تَلَف (خَلَل) التصفية بواسطة الكبد. قد يحتاج الأطفال المصابون إلى علاج ضوئي (بالأشعة) أو نَقل دم في الحالات الشديدة.

يُمكِن أن يُسبّب فائض البيليروبين في الدم اليرقان، وهو واحد من أكثر الحالات شيوعاً والتي تَتَطلّب عناية طبية عند الأطفال حديثي الولادة. يُسَبّب اليرقان اصفرار الجلد ويُمكِن علاجه ولكنّه يَتَطلّب عناية طبية سريعة لأنّه في حالات نادرة يُمكِن أن يُسَبّب مشاكل عصبية. يَحدُث هذا عندما يكون هناك تراكم سام للبيليروبين في الدماغ. تَتَضمّن علامات التحذير التي يَجِب الانتباه إليها نقص الطاقة وسوء التغذية والقيء والحمى.

في الختام

الأمر الرئيس الذي يَجِب تَذَكّره إذا تم تشخيص إصابة طفلك بنقص في نازعة هيدروجين الغلوكوز 6 فوسفات هو أنّ غالبية الأشخاص لا تظهر عليهم الأعراض سريرياً طوال الحياة. يَكون النقص الحاد أمراً نادر الحدوث وحتى النقص المعتدل لن يؤدي إلّا إلى استجابة فيزيولوجية مع التعرّض الإضافي للعامل المُحفّز. الوعي هو المفتاح، لأنّ مَعرِفة أنّ هناك عوامل مُحفّزة مُحدّدة تَعني أنّه يُمكِن تَجَنّبها، ممّا يُقَلّل من احتمالية حدوث حالات الانحلال.

تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.

تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم.  

المصدر:

  • Frank, J E. “Diagnosis and Management of G6PD Deficiency.” American Family Physician, vol. 72, no. 7, 1 Oct. 2005, pp. 1277–1282.
  • “Glucose-6-Phosphate Dehydrogenase Deficiency.” NORD (National Organization for Rare Disorders), https://rarediseases.org/rare-diseases/glucose-6-phosphate-dehydrogenase-deficiency/.
  • “Glucose-6-Phosphate Dehydrogenase Deficiency – Genetics Home Reference – NIH.” U.S. National Library of Medicine, National Institutes of Health, https://ghr.nlm.nih.gov/condition/glucose-6-phosphate-dehydrogenase-deficiency.
  • Luzzatto, Lucio, and Elisa Seneca. “G6PD Deficiency: a Classic Example of Pharmacogenetics with on-Going Clinical Implications.” British Journal of Haematology, vol. 164, no. 4, 16 Apr. 2014, pp. 469–480., doi:10.1111/bjh.12665.
  • Therrell, Bradford L., and Carmencita D. Padilla. “Newborn Screening in the Developing Countries.” Current Opinion in Pediatrics, vol. 30, no. 6, Dec. 2018, pp. 734–739., doi:10.1097/mop.0000000000000683.