مشكلات طرق تشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات التقليدية
تُعدّ متلازمة المبيض متعدد الكيسات إحدى أكثر أسباب العقم شيوعًا عند النساء في سن الإنجاب, حيث تصيب هذه المتلازمة نسبة تتراوح ما بين 4 و 10% من إجمالي النساء على مستوى العالم. مع ذلك، يوجد العديد من المشكلات في تشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات على الرغم من انتشارها. إنَ مستوى تعقيدها والنقص المُسجّل في فهم أعراضها السائدة، يعني استغراق الأطباء ومزودي الرعاية الصحية وقتًا أطول لتشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات، حيث تنتظر بعض النساء حتى عامين كاملين للحصول على تأكيد إيجابي بإصابتهن بهذا المرض.
بهذا الصدد، تُشخص متلازمة المبيض متعدد الكيسات بشكل روتيني وفق معايير إجماع روتردام. ينصّ إجماع روتردام على توفر عَرَضين على الأقل من بين هذه الأعراض الثلاثة لحصول المرأة على تشخيص إيجابي بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات:
- قلّة حدوث الإباضة أو توقفها
- وجود كيسات على المبيضين
- فرط الأندروجينية (هرمونات ذكرية) ظاهرة سواءاً بالأعراض أو الفحص
والمؤسف أن طريقة تشخيص هذه المتلازمة غالبًا ما تتم وفق مبدأ الاستبعاد، حيث يعمدُ الطبيب أولًا وقبل كل شيء إلى استبعاد الأمراض والحالات الطبية الأخرى ذات الأعراض المشابهة. وهذا مؤسف لأنه يمدد فترة التشخيص حيث يكون هناك زمن طويل ما بين التعرّف الأولي على المشكلة وبين تأكيد إصابة المرأة بالمتلازمة.
قلّة حدوث الإباضة أو توقفها
تعتبر متلازمة المبيض متعدد الكيسات السبب الرئيس لتوقّف الإباضة لدى النساء في سن الإنجاب. ومشكلة “تَوقّف الإباضة” تحدث عندما لا يطلق المبيض بويضةً أثناء دورة الحيض. بهذا الصدد، تمرّ معظم النساء في بعض الأحيان بدورة شهرية لا تحدث فيها الإباضة. إلا أن ذلك لا يعني الإصابة بمشكلة صحية معينة. مع ذلك، سجّل الأطباء أن ما نسبته من 70 إلى 80% من المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات يعانين من مشاكل في الخصوبة، ويعود ذلك في العادة إلى وجود حالة مستمرة من تَوقّف الإباضة أو قلّة حدوثها.
لذلك في حال كانت دورتكِ الشهرية غير مُنتظمة، فغالبًا أول ما سيخطر على بال طبيبك هو توقف الإباضة. من ناحية أخرى، يكون تشخيص المرأة توقف الإباضة أصعب عند المرأة في حال كانت دورتها الشهرية منتظمة. والطريقة السريرية الوحيدة لتشخيص تَوقّف الإباضة هي قياس مستويات هرمون البروجيسترون في الدم. ذلك أن مستويات البروجيسترون في الدم ترتفع بصورة ملحوظة مباشرة بعد حدوث الإباضة. في حال عدم ملاحظة ارتفاع مستويات البروجسترون، سيفترض الطبيب أن البويضة لم تُطلق. يجب ان تؤخذ هذه القياسات على مدار عدة دورات شهرية للتأكد أن عملية الإباضة تحدث بصورة مُنتظمة أو لا.
حريّ بالذكر أن المشاكل الطبية المتعلقة بالخصوبة لا تُعدّ أسبابًا كافية لتشخيص المرأة على أنها مصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات؛ ذلك لأن المعايير المعتمدة تنص على وجوب وجود أعراض أخرى أيضًا ليكون التشخيص صحيحًا.
وجود كيسات على المبيضين
تعاني ما نسبته 20 إلى 30% من مجمل النساء في العالم من وجود كيسات على المبيضين. فهي إذًا حالة شائعة جدًا، وغالب الأحيان لا تسبب هذه الكيسات أي ضرر يُذكر. بهذا الصدد، غالبًا ما يكتشف وجود الكيسات عندما يُفحص الحوض بالموجات فوق الصوتية. أما الفحوصات التي تُعطي نتائج أعلى جودة وتكون أكثر دقة من الفحص بالموجات فوق الصوتية فتتمثل في الفحص عبر المهبل. لكن بعض النساء لا يشعرن بالراحة لإجراء مثل هذا الفحص، ولذلك يعمد الطبيب لإجراء الفحوصات باستخدام الموجات فوق الصوتية عبر البطن. جدير بالذكر أن اكتشاف وجود كيسات على المبيضين لا يعني بالضرورة إصابتك بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات. مع ذلك، وفي حال وجود 12 جُرَيْبًا أو أكثر على كل مبيض، قياسُ قطر كل واحد منها يتراوح ما بين 2–9 مليمترات، و/أو لديك زيادة في حجم المبيض (قدرها 10mL أو أكثر) فسيفكر الطبيب جديًا في إحتمال إصابتك بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات ويرغب في فحصك أكثر للتحقق من ذلك وفق معايير التشخيص المعتمدة للمتلازمة.
فرط الأندروجينية
تتمثل المظاهر الرئيسية لفرط الأندروجينية السريرية في وجود شعرانية ذكورية وحَبّ الشباب والثَعْلَبَة (غياب الشّعْر الكلّي أو الجزئي). بالنسبة للشعرانية, فيعتقد الأطباء أن نسبة تتراوح ما بين 65 إلى 75% من المريضات المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات تتعرّض له؛ في حين يصيب حَبّ الشباب نسبة تتراوح ما بين 12-14% منهن، والثَعْلَبَة تصيب نحو 10% فقط منهن. حريّ بالذكر أن مدى انتشار كل واحد من هذه الأمراض يختلف باختلاف العِرق؛ مع ذلك فإن حَبّ الشباب على وجه الخصوص شائع بصورة متكافئة تقريبًا بين جميع الأعراق., وخصوصاً عند البلوغ نتيجة التغيرات الهرمونية.
أما فرط الأندروجينية البَيوكيميائيّة يعني أن المرأة المصابة به لديها مستويات مرتفعة من الهرمونات الجنسية الذكرية. بهذا الصدد، يعمد الطبيب إلى التحقق من مستويات هرمون التيستوستيرون عبر فحوصات الدم,الأندروستندويون والدِيهيدرو إيبي آندرُوستِيرُون (DHEA)/ سُلفات الدِيهيدرو إيبي آندرُوستِيرُون (DHEAS). مع ذلك فإن الكثير من هذه المقايسات محدودة الجدوى نظرًا لضعف دقّتها وحساسيتها في اكتشاف الهرمونات، لا سيما إن كانت هذه المُقايسات مُصممة في الأصل لقياس مستويات مرتفعة جدًا من الهرمونات الذكرية.
في هذا السياق، سجّل الأطباء أن ما نسبته نحو 70% من النساء المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات لديهن مستويات مرتفعة من هرمون التيستوستيرون الحرّ. والتيستوستيرون الحرّ ما هو إلا جزءٌ من إجمالي الهرمون الذكريّ الذي يؤثر على الأنسجة المُستهدفة. ذلك أن هرمون التيستوستيرون الإجمالي يتضمن أيضًا جزءًا هرمونيًّا مرتبط بالغلوبولين المرتبط بالهرمون الجنسي (SHBG) يُوجَد في مصل الدم. وتكمن المشكلة في قياس مستويات التيستوستيرون المرتبط في مصل الدم أن هذه المستويات لا ترتبط بالضرورة بالنشاط البيولوجي للهرمون، ولذلك، يعتبر الأطباء التيستوستيرون الحرّ مقياسًا أكثر دقة لذلك النشاط.
من جهته، يُتخذ الأندروستندويون والدِيهيدرو إيبي آندرُوستِيرُون (DHEAS) عادةً بمثابة علامة سريرية (كلينيكية) على وجود فرط الأندروجينية. ذلك أن هذا المُكوّن متوفر بكثرة ومستقر، ويسهل قياسه، وقد سجّل الأطباء ما نسبته من 25 إلى 35% من النساء المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات لديهن مستويات مرتفعة من الأندروستندويون والدِيهيدرو إيبي آندرُوستِيرُون (DHEAS). لذلك من الأجدى طبيًا بالفعل قياس مستويات كلٌّ من التيستوستيرون الحرّ والأندروستندويون والدِيهيدرو إيبي آندرُوستِيرُون (DHEAS) في النساء اللائي يُشتبه بأنهن مصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات.
لماذا يستغرق التشخيص وقتًا طويلاً؟
للأسف، يستغرق الأمر وقتًا طويلًا للتأكد من وجود الأعراض السائدة التي تميّز متلازمة المبيض متعدد الكيسات. بل أن الكثير من النساء لا يكتشفن إصابتهن بالمتلازمة إلا عندما يحاولن الحمل، حيث لا يتمكّنَّ من ذلك على الرغم من محاولتهن الحثيثة لفترة من الزمن. كما أن اكتشاف السبب الرئيس لأي مشكلة مُحتملة تسبب العقم ليس أمرًا بسيطًا البتة، ويتطلب إجراء فحوصات شاملة ل للزوجين.
صحيح أن عدم انتظام الدورة الشهرية يشير إلى أن المرأة تعاني من مشكلة صحية ما، لكن حتى عند ذلك سيبحث الأطباء أولًا عن أي علامات تشير إلى اضطرابات الغُدَّة الدرقية وفَرْطُ برولاكتينِ الدَّم. فضلًا عن ذلك، وكما ذكرنا أعلاه، لا تُعدّ دورات الحيض عديمة الإباضة أسبابً كافية للاستناد عليها لتشخيص من تعاني منها على أنها مصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات.
ولأن المتلازمة لا بد لتشخيصها من التحقق من وجود أعراض أخرى، يستغرق الأمر بعض الوقت لإصدار النتائج النهائية سلبًا أو إيجابًا. من جهتها، لا يتظاهر وجود الكيسات على المبايض بأي أعْراض، وفي حال غياب علامات واضحة على وجود فرط الأندروجينية السريرية، من الوارد أن تعاني المرأة من مستويات مرتفعة من الأندروجين (أي تعاني من فرط الأندروجينية البَيوكيميائيّة) دون أن تعرف ذلك حتى.
وكما هو الحال بالنسبة لاضطرابات الدورة الشهرية، في حال الاشتباه في وجود فرط الأندروجينية، سيبحث الأطباء أولًا عن أمراض أخرى. تشمل هذه الأمراض الأخرى: فَرْطُ تَنَسُّجِ الكُظْرِ الخِلْقِيّ والأورام المُفرِزة للأندروجين. من البديهي أن يعمد الأطباء أولًا إلى البحث عن الأمراض الخطيرة التي المهددة حياة، وذلك لاستبعادها في حال غيابها ومعالجتها في وقت مبكر في حال وجودها، لكن هذه الخطوات ومع أنها ضرورية تؤخّر أكثر الوصول إلى حُكم نهائي بشأن تشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات.
من ناحية أخرى، ومع أن مُتلازمة كُوشِنغ نادرة إلا أن أعراضها تشبه الأعراض المُلاحظة على النساء المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات؛ من نقاط التشابه مثلًا: عدم انتظام الدورة الشهرية، وفرط الشعر ذَكَرِيُّ النمط، وحَبّ الشباب. لذلك يأخذ الطبيب وقته في التحقق ما إن كانت المرأة مصابة بمتلازمة كُوشِنغ أولًا حتى إن كان يشتبه بشدة بأنها مصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات.
كيف يمكن تحسين التشخيص؟
ما من شك أن التشخيص وفق مبدأ استبعاد الأمراض الأخرى تشخيصٌ أبعد ما يكون عن المثالية. مع ذلك، هناك في الوقت الراهن بعض الطرق التي يمكنها أن تسرّع عملية تشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات.
من هذه الطرق، الاستناد إلى حقيقة أن نسبة تتراوح من 70-80% من النساء المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات لديهن مقاومة للأنسولين، لكن نظرًا لغياب مناهج دقيقة لقياس هذه المقاومة، لم يدرجها الأطباء ضمن المعايير المعتمدة لتشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات. من ناحية أخرى، قد يختار بعض الأطباء فحص وجود أمراض استقلابية أخرى، أو يجرون اختبار تَحمُّلِ الغلوكوز عن طريق الفم، لكن هذه الفحوصات تجرى في العادة بعد تشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات لا قبله. لذلك ومع أن القياس الدقيق لمستويات الأنسولين من شأنه أن يقلل فترة التشخيص إلا أنه مجال لا زال بحاجة لمزيد من البحوث والدراسات؛ لأن الأطباء يعتقدون الآن أن الخلل الذي يصيب هرمون الأنسولين وهرمون التيستوستيرون هما السببان الكامنان وراء العديد من أعراض متلازمة المبيض متعدد الكيسات وخصائصها.
من جهتها، تعتبر الاختبارات الجينية أيضًا أداة أخرى واعدة يمكن الاستعانة بها مستقبلًا لتشخيص متلازمة المبيض متعدد الكيسات. ذلك أن الأطباء متأكدون من أن بعض الجينات تلعب دورًا في أسباب هذا المرض. مع ذلك، وحتى الآن، واجه العلماء صعوبات جمة في تحديد الجينات المسؤولة أو التي تعرض النساء بصورة مباشرة للإصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات، كما أن النمط الوراثيّ الدقيق لهذه الجينات لا يزال غامضًا. بهذا الصدد، من المرجح أن تكون المتلازمة متعددة الجينات والعوامل في الأصل، ما يعني أن المسؤول عن نشوئها هو عددٌ من الجينات والعوامل البيئية.
في هذا السياق، تأمل Nabta Health أن تغيّر الطريقة التي تُشخّص بها متلازمة المبيض متعدد الكيسات. حيث تسعى الشركة من خلال تمكين النساء من تدبير صحتهن بأنفسهن، لأن تصبح عملية التشخيص أبسط، وأقل تعقيدًا، ومن ثم تقصير الفترة الزمنية اللازمة للتشخيص (والتي تصل الآن حتى سنتين) إلى أقلّ فترة ممكنة.
المصدر:
- Azziz, Ricardo, et al. “The Androgen Excess and PCOS Society Criteria for the Polycystic Ovary Syndrome: the Complete Task Force Report.” Fertility and Sterility, vol. 91, no. 2, 2009, pp. 456–488., doi:10.1016/j.fertnstert.2008.06.035.
- Hamilton-Fairley, D. “Anovulation.” Bmj, vol. 327, no. 7414, June 2003, pp. 546–549., doi:10.1136/bmj.327.7414.546.
- Leo, V. De, et al. “Genetic, Hormonal and Metabolic Aspects of PCOS: an Update.” Reproductive Biology and Endocrinology, vol. 14, no. 1, 2016, doi:10.1186/s12958-016-0173-x.
- Lerchbaum, Elisabeth, et al. “Hyperandrogenemia in Polycystic Ovary Syndrome: Exploration of the Role of Free Testosterone and Androstenedione in Metabolic Phenotype.” PLoS ONE, vol. 9, no. 10, 13 Oct. 2014, doi:10.1371/journal.pone.0108263.
- “Long-Term Consequences of Polycystic Ovary Syndrome.” Royal College of Obstetricians and Gynaecologists, Nov. 2014, www.rcog.org.uk/globalassets/documents/guidelines/gtg_33.pdf.
- “Revised 2003 Consensus on Diagnostic Criteria and Long-Term Health Risks Related to Polycystic Ovary Syndrome.” Fertility and Sterility, vol. 81, no. 1, 2004, pp. 19–25., doi:10.1016/j.fertnstert.2003.10.004.
- Teede, H, et al. “Polycystic Ovary Syndrome: a Complex Condition with Psychological, Reproductive and Metabolic Manifestations That Impacts on Health across the Lifespan.” BMC Medicine, vol. 8, no. 1, 2010, doi:10.1186/1741-7015-8-41.