هل تُساهِم العوامل البيئية في حدوث  العقم عند الذكور؟

تُساهم العوامل الذكورية -على الرغم من عدم اكتشافها بشكل كبير- في حدوث حوالي نصف حالات العقم ولعدّة أسباب منها: المورّثات وإنتاج حيوانات منوية غير طبيعية ومشكلات هرمونية وتشوّهات بنيوية وعوامل بيئية. لذلك، هناك حاجة لإجراء فحوصات عميقة وشاملة كلّما اشتُبِه بوجود مشكلة ما.
إنّ الخطوة الأولى لمعظم الأزواج المصابين بالعقم هي أنْ يَخضَع كلا الطرفين لفحص طبي شامل ومُفَصّل حتى يَتَمكّن الطبيب من تحديد العامل البيئي المُحتَمَل. ويَرِدُ في ما يلي وصف لبعض العوامل البيئية المعروفة.

التدخين
على الرغم من أنَ مخاطر التدخين يتم الإعلان عنها  بشكل جيد, إلّا أنّه لا يزال هناك عدد كبير من المدخنين. ويُعتَقَد أنّ المُعدّل الأعلى لانتشار التدخين يتواجد بين الرجال في سنّ الإنجاب.
لقد وَجَدت معظم الدراسات أنّ  تأثير التدخين مُعتَدِل على جودة السائل المنوي, حيث يُقَلّل  التدخين من حجم الحيوانات المنوية وعددها وحركتها. إلّا أنّ العلاقة بين تدخين الذكور ومُعَدّل المواليد الأحياء لا تزال غير واضحة.
يُعتَبَر حوالي 40% من حالات العقم مجهولة السبب, وعادةً ما يكون لدى هؤلاء الرجال المُصَنّفين ضمن هذه النسبة حيوانات منوية طبيعية الشكل. يكون تلف الحمض النووي للحيوانات المنوية أحد تفسيرات العقم مجهول السبب, حيث يُعتَبَر مدى تجزئة الحمض النووي مُؤشّراً قويّاً على درجة العقم عند الذكور رغم أنّه ما يزال حتى الآن موضوعاً قيد البحث والدراسة. يزداد حدوث العقم عند زيادة  مُؤشّر تجزئة الحمض النووي(DFI) عن 30% . في إحدى الدراسات، كان مُؤشّر تجزئة الحمض النووي عند المُدَخّنين المصابين بالعقم 37.66% مقارنة مع 19.34% عند غير المُدَخّنين الذين يُعانون من العقم و14.51% عند المجموعة الشاهدة الذين لا يعانون من العقم.  يُشير هذا الأمر  إلى وجود صلة قوية بين التدخين وتلف الحمض النووي ويُقدّم شرحاً عملياً لبعض حالات العقم مجهول السبب.
يُمكِن فهم هذه النظرية بشكل أكبر عند معرفة المُكَوّنات الضارّة التي تُشَكّل السجائر. على سبيل المثال، يحتوي التبغ على الأنواع النشطة من الأوكسجين التي يُمكِن أن تتراكم في الجسم وتسبّب ضرر؛ ويُسبّب النيكوتين تكسرات الحمض النووي المضاعف. كما يُقَلّل التدخين من مستويات مُضادات الأكسدة التي تلعب دوراً مهماً في تعديل تأثيرات الجذور الحرة الضارة. يُمكِن أن يُسبّب وجود فائض من الجذور الحرة ضغطاً تأكسدياً ويُؤثّر على العمليات الخلوية الطبيعية.
للتدخين تأثير سلبي على الصحة العامة ويجب على الرجال الذين يحاولون الإنجاب اتخاذ خطوات لمحاولة الإقلاع عن التدخين.

البدانة
من الصعب أن نقول بشكل قاطع أنّ ارتفاع مُؤشّر كتلة الجسم يُضعِف الخصوبة، حيث أنّ الدراسات التي أُجرِيَت حتى الآن مُتَضاربة قليلاً. بالتأكيد، يُشير البعض إلى وجود صلة بين البدانة وانخفاض جودة السائل المنوي وتركيز الحيوانات المنوية وحركتها. وَجَدت إحدى الدراسات أنّ الرجال الذين يُعانون من انخفاض جودة السائل المنوي كانوا يَميلون للبدانة أكثر بثلاث مرات من غيرهم. إلّا أنّه قد خَلُصَت التحليلات الأخرى الأوسع إلى أنّه لا يوجد سوى حد أدنى من الارتباط بين مُؤشّر كتلة الجسم ومواصفات السائل المنوي، وعلى الرغم من أنّ الرجال الذين يُعانون من البدانة المفرطة لديهم مستويات قليلة من هرمون التستوستيرون إلّا أنّ هذا لا يبدو أنّ له أيّة آثار فيزيولوجية. ومع ذلك، فقد ارتَبَط القيام بتمارين رياضية بشكل مُعتَدِل وفقدان الوزن بتحسين مواصفات السائل المنوي.
ويُعتَقَد أيضاً أنّ البدانة تُسبّب انخفاضاً في حجم القذف وتَزيد من خطر تَعرّض الرجل لضعف الانتصاب.
تَرتَبط البدانة -كما هو الحال مع التدخين- بارتفاع مُؤشّر تجزئة الحمض النووي حيث يكون الرجال ذوي مُؤشّر كتلة الجسم المرتفع أكثر عرضة لتخرب الحمض النووي.
رغم أنّ الأدلة غير قطعية فيما يتعلّق بالقدرة الإنجابية إلّا أنّ الحفاظ على مُؤشّر كتلة الجسم الصحي يُحَسّن الصحة العامة.

الحرارة
أَوضَحَت النماذج الحيوانية التجريبية وجود صلة سلبية بين درجة حرارة الصفن وضعف الحيوانات المنوية. إلّا أنّ البيانات في الواقع محدودة وغير كافية لتشكيل استنتاج نهائي. حَدّدَت إحدى الدراسات انخفاض مُتَوسّط ​​تركيز الحيوانات المنوية عند الرجال الذين لديهم ارتفاع في درجة حرارة الصفن، إلّا أنّ القيمة الفعلية لا تزال تندرج ضمن المعدل الطبيعي لمنظمة الصحة العالمية. هناك أدلّة محدودة على أنّ تبريد الخصيتين قد يُحسّن من جودة السائل المنوي.
يُعتَقَد أنّ الملابس الداخلية الضيقة والحمّامات الساخنة والوضعية الثابتة يمكن أن تُسهِم جميعها في زيادة درجة حرارة الصفن وتؤدي إلى مشاكل الخصوبة، ولكن لم يتم إثبات أيّ من هذه الارتباطات.
عادةً ما يكون هناك ارتفاع في درجة حرارة الصفن عند الرجال الذين يملكون حيوانات منوية غير طبيعية بسبب دوالي الخصية, لكن من المحتمل أن يكون هذا الارتفاع في درجة الحرارة  تأثيراً ثانوياً وليس عاملاً مسبباً.

العوامل المسببة لاضطراب الغدد الصماء
تمّ العثور على الكثير من العوامل التي تسبب اضطراب الغدد الصماء عبر محاكاة الهرمونات الطبيعية. وقد ثَبُتَ أنّ لهذه العوامل تأثيراً ضارّاً على خصوبة الذكور والإناث. بعض الأمثلة التي تمّت دراستها على نطاق واسع هي بيسفينول (BPA) A والفثالات وكلاهما يُستَخدمان في صناعة البلاستيك. يُعتَبَر بيسفينول A مُضاد للأندروجين ويَرتَبط بضعف الانتصاب أمّا الفثالات فتُسبّب تَشوّهات تناسلية وانخفاضاً في إنتاج الحيوانات المنوية.
لسوء الحظ، يَصعُب تَجنّب المواد الكيميائية والمنتجات التي تحتوي على عوامل مُسبّبة لاضطراب الغدد الصماء على الرغم من آثارها الضارّة بسبب استخدامها الواسع النطاق.

عوامل أخرى
تُعتَبَر الكحول والضغط النفسي والكافيين عوامل أخرى تَرتَبِط بضعف الخصوبة, حيث يقلل استهلاك المفرط للكحول وزيادة الضغط النفسي من جودة السائل المنوي رغم أنّ البيانات الخاصة بالكافيين لا تُظهِر ارتباطاً إيجابياً. يَرتَبِط الكحول بقوّة مع انخفاض حجم السائل المنوي ويبدو أنّ زيادة الضغط النفسي تُسبّب انخفاض حركة الحيوانات المنوية وذلك وفقاً لمراجعة مَنهجية بحَثت في تأثير العوامل الاجتماعية-النفسية.
وبالتالي، قد يحتاج الرجال الذين يعملون جاهدين للإنجاب في التفكير في تقليل تناولهم للكحول ومحاولة تَجنّب المواقف العصيبة لزيادة فرص حدوث الحمل إلى أقصى حد.

المصدر:

  • Barratt, C L R, et al. “The Diagnosis of Male Infertility: an Analysis of the Evidence to Support the Development of Global WHO Guidance—Challenges and Future Research Opportunities.” Human Reproduction Update, vol. 23, no. 6, 1 Nov. 2017, pp. 660–680., doi: 10.1093/humupd/dmx021.
  • Chavarro, J E, et al. “Body Mass Index in Relation to Semen Quality, Sperm DNA Integrity and Serum Reproductive Hormone Levels among Men Attending an Infertility Clinic.” Fertility and Sterility, vol. 93, no. 7, 1 May 2010, pp. 2222–2231., doi:10.1016/j.fertnstert.2009.01.100.
  • Elshal, M F, et al. “Sperm Head Defects and Disturbances in Spermatozoal Chromatin and DNA Integrities in Idiopathic Infertile Subjects: Association with Cigarette Smoking.” Clinical Biochemistry, vol. 42, no. 7-8, May 2009, pp. 589–594., doi:10.1016/j.clinbiochem.2008.11.012.
  • Jung, A, and H C Schuppe. “Influence of Genital Heat Stress on Semen Quality in Humans.” Andrologia, vol. 39, no. 6, Dec. 2007, pp. 203–215., doi:10.1111/j.1439-0272.2007.00794.x.
  • Li, Y, et al. “Association between Socio-Psycho-Behavioral Factors and Male Semen Quality: Systematic Review and Meta-Analyses.” Fertility and Sterility, vol. 95, no. 1, Jan. 2011, pp. 116–123., doi:10.1016/j.fertnstert.2010.06.031.
  • Luccio-Camelo, D C, and G S Prins. “Disruption of Androgen Receptor Signaling in Males by Environmental Chemicals.” The Journal of Steroid Biochemistry and Molecular Biology, vol. 127, no. 1-2, Oct. 2011, pp. 74–82., doi:10.1016/j.jsbmb.2011.04.004.
  • MacDonald, A A, et al. “The Impact of Body Mass Index on Semen Parameters and Reproductive Hormones in Human Males: a Systematic Review with Meta-Analysis.” Human Reproduction Update, vol. 16, no. 3, 2010, pp. 293–311., doi:10.1093/humupd/dmp047.
  • Magnusdottir, E V, et al. “Persistent Organochlorines, Sedentary Occupation, Obesity and Human Male Subfertility.” Human Reproduction, vol. 20, no. 1, Jan. 2005, pp. 208–215., doi:10.1093/humrep/deh569.
  • Sharma, R, et al. “Lifestyle Factors and Reproductive Health: Taking Control of Your Fertility.” Reproductive Biology and Endocrinology, vol. 11, no. 66, 16 July 2013, doi:10.1186/1477-7827-11-66.
  • Wright, C, et al. “Sperm DNA Damage Caused by Oxidative Stress: Modifiable Clinical, Lifestyle and Nutritional Factors in Male Infertility.” Reproductive Biomedicine Online, vol. 28, no. 6, June 2014, pp. 684–703., doi:10.1016/j.rbmo.2014.02.004.