كيف يُمكِن أن تُؤثّر السمنة على قدرة الإنجاب عند الرجل
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أَكثَر من 650 مليون من البالغين في جميع أنحاء العالم من السمنة. نتيجة ازدياد انتشارها بسرعة في البلدان النامية, أصبحت السمنة إحدى المشاكل الرئيسة للصحة العامة المثيرة للقلق. يُقَدّر أنّ حوالي 30% من سكان العالم العربي يُعانون من السمنة.
ما هو مُؤشّر كتلة الجسم وكيف يتم حسابه؟
يتم تحديد في ما إذا كان الشخص يعاني من السمنة عبر استخدام مؤشر كتلة الجسم . يقيس مؤشر كتلة الجسم دهون الجسم عبر استخدام قياسات الطول والوزن حيث يتم تقسيم الوزن بالكيلوجرام على الطول بالمتر المربع (م2):
مؤشر كتلة الجسم = كغ/ م2
ينص الإجماع العام أنّ البالغين الذين يقع مؤشر كتلة الجسم لديهم بين 25 – 29.9 كغ/ م2 يعانون من زيادة الوزن، والذين لديهم مؤشر كتلة الجسم يساوي أو يزيد عن 30.0 كغ/ م2 يعانون من سمنة.
يزيد مؤشّر كتلة الجسم المرتفع من خطر معاناة الفرد من العديد من المشكلات الصحية الخطيرة مثل السكري من النوع 2 وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والسرطان. كما أنّه يُؤثّر على طبيعة حياة الشخص ويترك تأثيراً سلبياً على ثقته بنفسه وتقديره لذاته.
تَمّت دراسة تأثير السمنة على الخصوبة عند الإناث بشكل واسع وقد عُرِف أنه يمكن أن يؤدي ارتفاع مؤشر كتلة الجسم المرتفع إلى اضطراب الدورة الشهرية . أما عند الذكور, فقد تم دراسة تأثير السمنة على الخصوبة بشكل محدود. رغم ذلك, يُعرَف أنّ ارتفاع مؤشر كتلة الجسم يَرتَبِط بانخفاض إنتاج هرمون تستوستيرون وتدنّي جودة السائل المنوي وتراجع الخصوبة.
كيف يؤثر مؤشر كتلة الجسم على الخصوبة؟
اضطراب عمل غدد الصم
عادةً، يكون لدى الرجال الذين يُعانون من السمنة والعقم مستويات منخفضة من هرمون التستوستيرون ومستويات مرتفعة من هرمون الاستروجين في الدم. يتَناسَب انخفاض الأندروجينات وخاصةً التيستوستيرون مع درجة السمنة. وتَزداد مستويات هرمونات الأوسترون والاستراديول الأنثوية بسبب زيادة تحول الحلقات في الأندروجينات محيطياً إلى حلقات عطرية. كذلك, يساهم ارتفاع كمية الأنسجة الدهنية البيضاء في زيادة مستويات الاستروجين. يؤثر تغيّر نسبة هرمون التستوستيرون إلى هرمون الاستروجين سلبياً على المحور الوطائي النخامي التناسلي، ممّا يُعَطّل حلقة التغذية الراجعة السلبية (التي تتأثر بانخفاض التستوستيرون) وتسبب تَنَاقص عدد الحيوانات المنوية.
تتأثر الهرمونات الأخرى أيضاً بذلك ؛ إذ تَنخَفِض مستويات الجلوبيولين الرابط للهرمونات الجنسية عند الرجال الذين لديهم مُؤشّر كتلة جسم مرتفع. يُشارك الجلوبيولين الرابط للهرمونات الجنسية في تكوين النطاف وعمل خلية سيرتولي. كذلك, ترتفع مستويات هرمون اللبتين عند الرجال الذين يُعانون من السمنة والعقم غالباً وتكون أقلّ ارتفاعاً عند الرجال الذين يعانون من السمنة دون العقم. يتم إفراز اللبتين بواسطة الأنسجة الدهنية البيضاء في الجسم، وبالتالي ترتبط مستوياته في المصل مع كمية الدهون في الجسم. يَثبط ارتفاع هرمون الليبتين إنتاج التستوستيرون من خلايا لايديغ.
مقاومة الانسولين
غالباً ما يحدث قصور ثانوي في الغدد التناسلية لدى الرجال الذين يعانون من السمنة والمصابين بالسكري من النوع 2 نتيجة حدوث مقاومة للأنسولين لديهم. يُعتَقَد أنّ مقاومة الأنسولين تؤدّي إلى تَعطيل المحور الوطائي النخامي التناسلي عبر آليات غير مفهومة تماماً. كذلك, يرتَبِط ارتفاع مقاومة الأنسولين مع انخفاض مستويات هرمون تستوستيرون بشكل مستقل. تُعتَبَر السمنة أحد عوامل الخطر الرئيسة لتطوّر مرض السكري من النوع 2 وتُعَد صعوبة الإنجاب أحد المخاطر الصحية الرئيسة المرتبطة به.
الإجهاد التأكسدي
تؤدّي السمنة إلى زيادة إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية التي تضر المادة الوراثية الموجودة داخل خلايا الحيوانات المنوية. يَرتَبِط مُؤشّر كتلة الجسم المرتفع بزيادة الإجهاد التأكسدي مما يسبب زيادة إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية.
المتلازمة الاستقلابية
تَساهم السمنة, إضافةً إلى العديد من العوامل الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الجلوكوز في البلازما والكوليسترول, في حدوث المتلازمة الاستقلابية. تَزيد المتلازمة الاستقلابية من خطر الإصابة بالسكري، ولكنّها تَرتَبِط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بقصورالغدد التناسلية وضعف الانتصاب. لا يُعاني جميع الرجال الذين يُعانون من ضعف الانتصاب من العقم، ولكن يكون الحفاظ على الانتصاب أحد الصعوبات التي يواجهها الرجال الذين يعانون من صعوبة في الإنجاب. وَجَدت إحدى الدراسات أنّ 27% من الرجال الذين يُعانون من العقم يُعانون من ضعف الانتصاب. علاوة على ذلك، وُجَد أنَ من يعانون من مشاكل في الانتصاب يكونون أكثر عرضة للمعاناة من زيادة الوزن أو السمنة. غالباً ما يكون لدى الرجال الذين يعانون من السمنة والمتلازمة الاستقلابية زيادة في إنسولين الدم وزيادة في سكر (غلوكوز) الدم مما قد يؤثر سلباً على كمية ونوعية الحيوانات المنوية.
ارتفاع الحرارة
يكون تكوين النطاف عملية حساسة للحرارة، وتَكون درجة الحرارة المثلى 34-35 درجة مئوية. قد تؤثر زيادة الأنسجة الدهنية في كيس الصفن على درجة حرارة الغدد التناسلية وتسبب تَلَف خلايا الحيوانات المنوية التي تنمو. تتضمن التأثيرات الشائعة انخفاض حركة الحيوانات المنوية وزيادة تخرب المادة الوراثية مما يُقلل قدرة الرجل على الإنجابز
العوامل البيئية والنفسية
تؤثر العديد من الملوثات البيئية والعوامل المسببة لاضطراب عمل غدد الصم على الخصوبة عند الرجل. تكون الكثير من السموم قابلة للذوبان في الدهون، وبالتالي، تَتَراكم في الأنسجة الدهنية. يكون الرجال الذين يُعانون من السمنة والذين يملكون مخزون أكبر من الدهون أكثر عرضةً للمعاناة من الآثار الضارة الناجمة عن تراكم هذه السموم.
يكون الرجال الذين يُعانون من السمنة أكثر عُرضة لانقطاع النفس عند النوم. يَتّصِف هذا الاضطراب بتوقّف التنفس بشكل مؤقت أثناء النوم, فيسبب تَعَطّل إنتاج هرمون تستوستيرون. كذلك, تنخفض مستويات التستوستيرون بعد الاستيقاظ مباشرة مما يُمكِن أن يقَلّل من اهتمام الرجل بالمشاركة في النشاط الجنسي.
لا ينبغي التقليل من تَقدير العبء النفسي للسمنة. إذ يَزداد خطر اعتبار الأفراد الذين يُعانون من السمنة أنفسهم غير جذابين وغير مرغوب فيهم. قد يَكونونهؤلاء الرجال غير راغبين عاطفياً أو غير قادرين جسدياً على مُمارسة الجماع بشكل مُنتَظَم. وقد يُواجهون أيضاً نقصاَ في الرغبة ويلجؤون لتَجَنّب الجماع، خاصةً إذا وَجَدوا العملية غير مريحة أو شَعَروا بالخجل من أجسادهم. تشير البيانات المحدودة المتوفرة إلى أن الرجال الذين يُعانون من السمنة قد قَلّلوا عدد مرات الجماع، رغم عدم وضوح ما إذا كان هذا يعود لعوامل نفسية أو لحواجز جسدية مثل ضعف الانتتصاب.
في الختام، كنتيجة للعديد من العوامل, يبدو أنّ السمنة تُساهِم في حدوث العقم عند الذكور إذ يزيد ارتفاع مؤشر كتلة الجسم من الآثار السلبية لانخفاض مستويات التستوستيرون وتناقص جودة السائل المنوي ويفاقمها.
المصدر :
- Hammoud, Ahmad O., et al. “Impact of Male Obesity on Infertility: a Critical Review of the Current Literature.” Fertility and Sterility, vol. 90, no. 4, Oct. 2008, pp. 897–904., doi:10.1016/j.fertnstert.2008.08.026.
- Hofny, Eman R.m., et al. “Semen Parameters and Hormonal Profile in Obese Fertile and Infertile Males.” Fertility and Sterility, vol. 94, no. 2, July 2010, pp. 581–584., doi:10.1016/j.fertnstert.2009.03.085.
- Katib, Atif. “Mechanisms Linking Obesity with Male Infertility.” Central European Journal of Urology, vol. 68, no. 1, 13 Mar. 2015, pp. 79–85., doi:10.5173/ceju.2015.01.435.
- “Obesity and Overweight.” World Health Organization, https://www.who.int/en/news-room/fact-sheets/detail/obesity-and-overweight.
- “Managing Overweight and Obesity in Adults: Systematic Evidence Review from the Obesity Expert Panel.” National Heart Lung and Blood Institute, U.S. Department of Health and Human Services, https://www.nhlbi.nih.gov/health-topics/managing-overweight-obesity-in-adults.
- Morrison, Christopher D., and Robert E. Brannigan. “Metabolic Syndrome and Infertility in Men.” Best Practice & Research Clinical Obstetrics & Gynaecology, vol. 29, no. 4, May 2015, pp. 507–515., doi:10.1016/j.bpobgyn.2014.10.006.
- Salam, Mohamed Ahmed Abd El. “Obesity, An Enemy of Male Fertility: A Mini Review.” Oman Medical Journal, vol. 33, no. 1, Jan. 2018, pp. 3–6., doi:10.5001/omj.2018.02.