شهر رمضان في زمن جائحة الكوفيد 19
سيذكر التاريخ أنه في العام 2020 ظهر فيروس الكوفيد 19 في الصين واجتاح الكوكب بأسره فلم يسلم منه أي بلد. وانقلبت حياتنا اليومية رأساً على عقب إذ قام الكثير من الدول بتطبيق شكل من أشكال التباعد الاجتماعي. وهذا بالطبع استغرق بعض الوقت للتكيّف معه، فكان تغيير سلوكياتنا وعاداتنا وأعرافنا من أجل عدو غير مرئي (بالنسبة إلى لكثير منّا) بمثابة تحدٍ لنا.
الإسلام هو الديانة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويُعتبر رمضان وقتاً للتأمّل والصلاة والصوم بالنسبة إلى المسلمين. وسوف يُؤثّر الكوفيد 19 على طريقة احتفال المسلمين بهذا الشهر المبارك إذ يتميز رمضان بالكثير من التقاليد الثقافية وتلتقي خلاله المجتمعات للصلاة والاختلاط. فسوف يكون رمضان 2020 تجربة مختلفة كلياً.
ما هي التغييرات التي يجب أن تتوقّعوا حدوثها وكيف يمكنكم الحفاظ على المبادئ الأساسية لرمضان ألا وهي الصلاة والتأمّل والصوم مع البقاء بأمان والالتزام بالمبادئ التوجيهية التي تضعها الحكومة؟
الصلاة
يزداد عادة الإقبال على المساجد خلال شهر رمضان. ولكن لسوء الحظ، تمَّ إغلاق المساجد في عدد كبير من الأماكن هذه السنة لمحاولة التخفيف من انتشار هذا الفيروس. ويجري تشجيع الأشخاص على الصلاة في المنزل قدر الإمكان. وبالنسبة إلى الصلوات النهارية والصلوات الخاصة بشهر رمضان مثل صلاة التراويح المسائية وصلاة عيد الفطر فيمكن القيام بها في المنزل من دون خطبة. كما يمكن للعائلات التي تسكن معاً أن تُصلّي معاً ولكن لا يُسمح بالتجمّعات الكبيرة.
تنطوي الصلاة وارتياد المساجد على أهمية روحية بخاصة في هذا الشهر المبارك ولكن يجب أيضاً معرفة أن التجمّع للصلاة معاً يُعتبر بالنسبة للكثيرين نشاطاً اجتماعياً.
ويُعتبر أيضاً البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة والأحّباء مهمّاً اليوم أكثر من أي وقت مضى حتّى لو كان هذا التواصل عبر مكالمات الفيديو.
المجتمع
في ما يتعلّق بموضوع الاختلاط، لطالما كان رمضان وقتاً لتجتمع فيه العائلة والأصدقاء للتأمّل والصلاة وأيضاً لتناول وجبة الإفطار سوياً في المساء. ولكن لن تكون التجمّعات هذه السنة كالسنوات السابقة وذلك بسبب التباعد الاجتماعي الصارم وحظر التجوّل الليلي في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويُشارك الأطفال في بعض دول الخليج العربي في القرقيعان وهو تقليد سنوي يُحتَفَل به في اليوم الخامس عشر من رمضان. فيقومون بزيارة الجيران مرتدين أزياء شعبية ويُغنّون أغانٍ محلّية ويحصلون في المقابل على حلوى ومكسّرات. وقد يُواجه بعض هؤلاء الأطفال، حسب أعمارهم، صعوبة في التعامل مع خيبة الأمل الناتجة عن عدم تمكّنهم من المشاركة في هذا الطقس. وهو أيضاً دليل آخر للأهل على أنَّ هذه السنة مختلفة عن غيرها وهذا أمر يَصعُب تقبّله من منظور عاطفي.
الصحة
تكمن إحدى المشكلات الرئيسية للكوفيد 19 اليوم في قلّة المعلومات التي نعرفها حوله. يعمل الأطباء والعلماء بشكل دائم للتوصّل إلى فهم أفضل للفيروس ولمعرفة لماذا يتأثّر به أشخاص معيّنين أكثر من غيرهم.
يُعتبر حالياً بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالفيروس بما في ذلك المسنّون والأشخاص الذين يُعانون من أمراض الجهاز التنفّسي والأمراض غير السارية مثل داء السكّري من النوع الثاني والسمنة. ونجد أيضاً، من ضمن العديد من الأشياء المجهولة المتعلّقة بهذا الفيروس، تأثير النظام الغذائي على القابلية والتشخيص. فيبدو أن اعتماد نظام غذائي غني بالفيتامين C (الموجود في الكثير من الفواكه والخضار منها البرتقال والبابايا والجوافة والفلفل الحلو والبروكلي) والفيتامين D (الموجود في الأسماك الدهنية والفطر والبيض) يحمل معه بعض الآثار الوقائية. ولكن، يُشكّل الصوم جزءاً كبيراً من شهر رمضان فيبقى أن نعرف ما إذا كان تناول هذه الأطعمة المختلفة على فترة طويلة من الوقت سوف يزيد من خطر الإصابة بالفيروس بسبب انخفاض مدخول المواد المُغذّية والسوائل).
في ما يلي، خطوات يمكنكم اتباعها للحفاظ على صوم صحي أكثر بخاصة في هذه الأوقات العصيبة:
- ممارسة الرياضة بانتظام. قد يُسبب الصوم نقص الطاقة وضعف العضلات مع مرور الوقت. حاولوا ممارسة الرياضة في المنزل بعد الإفطار (أو في الخارج إذا سمحت بذلك السياسات المحلّية المعتمدة). لن يساعدكم ذلك في الحفاظ على لياقتكم البدنية فحسب بل سوف يُحسّن أيضاً حالتكم العاطفية.
- لن يتمكن الأشخاص من قضاء وقت خارج المنزل في حال وجود حظر تجوّل صارم. وتُعتبر الشمس مصدراً ممتازاً للفيتامين D لذلك يزيد خطر نقص الفيتامين D لدى الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً في المنزل. إذا كنتم صائمين، إجعلوا وجبتكم الرئيسية مؤلّفة من أطعمة غنية بالفيتامين D.
- من الطبيعي أن تضطرب أنماط وروتين نومكم خلال شهر رمضان. فيمكن أن تُؤدي الوجبات المتأخّرة والصلوات المسائية إلى اضطراب النظم الَيْوماوي الطبيعي للنوم ما قد يُؤثّر سلباً على الجهاز المناعي. ويُعتبر الحفاظ على جهاز مناعي قوي ضرورياً لمحاربة الكوفيد 19. يجب أن تأكلوا جيداً وأن تحاولوا الحصول على قسط كافٍ من النوم بهدف الحفاظ على أفضل جهاز مناعي ممكن حتّى خلال فترات الصوم.
- انتبهوا لصحتكم النفسية. وهذا ما سبق ولمّح إليه هذا المقال. فعدم تمكّنكم من القيام بالأمور التي تقومون بها عادة في الأسابيع القادمة مثل المشاركة في الطقوس وتشارك الطعام مع الجيران ولعب الألعاب وتناول الإفطار مع الأصدقاء وأفراد العائلة المقرّبين قد يُلحق ضرراً كبيراً بحالتكم النفسية. وقد يكون الالتزام بالتباعد الاجتماعي الصارم طلباً كبيراً وصعباً عليكم خلال شهر رمضان. قوموا بطلب المساعدة والدعم إذا احتجتم إليهما خلال هذه الأسابيع. قد لا تُعوّض مكالمات الفيديو عن التواجد مع الأشخاص ولكنها حلّ وسط وقد تكون بداية لتقاليد وعادات جديدة للسنوات المقبلة.
من الناحية العملية، لا يستطيع كلّ المسلمون الصوم. فيُعطى دائماً اعتبار للنساء الحوامل أو اللواتي يعانين من مشاكل صحية كامنة. ويُعفى أيضاً من الصوم هذه السنة العاملون الطبيون في الخطوط الأمامية إذا تبيّن أنَّ الصوم سوف يُضعف جهازهم المناعي أو قدرتهم على معالجة المرضى. كذلك، يُعفى من الصوم الأشخاص المصابون بفيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة والمسؤول عن الكوفيد 19 إذا تبيّن أن الأعراض لديهم سوف تُصعّب عليهم الصوم.
سوف يكون رمضان 2020 محصوراً بالعائلة ووقتاً للتأمّل الصامت والإفطارات المتواضعة عوضاً عن التجمعّات الباهظة. وعلى الرغم من أنَّ التغيير يُشكّل دائماً تحدٍ لنا وأنَّ الخروج عن ممارساتنا وتقاليدنا المعتادة قد يكون صعباً علينا، إلّا أن المبادئ الأساسية لرمضان ما زالت موجودة. فيستطيع الأشخاص الذين يحتفلون بهذا الشهر المبارك الاستفادة منه للتأمّل وتقديم الشكر على كل ما يمتلكونه وإعطاء الزكاة للمحتاجين.
تتمنى نبتة لجميع قرّائنا شهراً مباركاً مليئاً بالصحة. رمضان مبارك.